حكم دخول الحائض للمسجد ؟
قال
الشيخ الألباني رحمه الله :[ والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية
الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على
التحريم وبه قال الإمام أحمد وغيره … ]
تمام المنة ص 119 2.
وليس هناك
دليل ثابت وصحيح بمنع الحائض من دخول المسجد، بل وهناك أدلة ثابتة يتقوى به من قال
بدخولها المسجد: فعن عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري وغيره:” أنّ وليدة
سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله فأسلمت فَكَانَ لَهَا
خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ "وقال ابن حزم مبيناُ وجه
الاستدلال بهذا الحديث :[ فهذه امرأة ساكنة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة السلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما
لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمباح وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قوله :(جعلت لي الأرض مسجداً ) ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما
جميع الأرض وهي مسجد فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض ولو كان دخول
المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذا حاضت فلم ينهها
إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا
ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف وهذا قول المزني
وداود وغيرهما وبالله تعالى التوفيق . المحلى 1/401-402 .
ويقوي هذا
الدليل وهذا القول مبيت المعتكفين في المسجد مع ما قد يصيبهم من احتلام حال النوم،
والمعتكفة من حيض، ويبعد معه علم الرسول بذلك وسكوت النبي عن بيان حكم في أمر ما
يدل على العفو والإباحة . وما يقوي هذا ايضا قوله لعائشة رضي الله عنها في حجة
الوداع لمّا حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»، ولم
يمنعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدخول إلى المسجد والمكث فيه، وإنّما
نهاها عن الطواف بالبيت، وكذلك لحديث صفية لما قيل له إنها حاضت وقد أنهو أيام منى
فقال ( أحابستنا هي ؟ ) قالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت طواف الإفاضة قال
( فلتنفل إذاً وليس عليها طواف وداع ) .لا ن الطواف صلاة
كما ثبت في
الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “إنّ أول شيء بدأ به النبي حين قدم
مكة أنّه توضأ ثمّ طاف بالبيت”.
ويمكن تلخيص
المانعين في مسالتين:
.أولا: قياس الحائض على الجنب في قوله تعالى: ﴿يا
أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا﴾[النساء:43]، قال ابن رشد في بيان ذلك: (وسبب اختلاف
الشافعي وأهل الظاهر هو تردد الآية بين أن يكون فيها مجاز حتى يكون هنالك محذوف
مقدر، وهو موضع الصلاة أي لا تقربوا موضع الصلاة، ويكون عابر السبيل استثناء من
النهي عن قرب موضع الصلاة، وبين أن لا يكون هنالك محذوف أصلاً، وتكون الآية على
حقيقتها، ويكون عابر السبيل هو المسافر الذي عدم الماء وهو جنب، فمن رأى أن في
الآية محذوفاً أجاز للجنب المرور في المسجد، وأما منع العبور في المسجد فلا أعلم
له دليلاً إلا ظاهر ما روي عنه عليه الصلاة والسلام).
وقال الامام
ابن جرير : (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم معنى ذلك: لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها جنباً إلا عابري سبيل، يعني
إلا أن تكونوا مجتازي طريق أي مسافرين حتى تغتسلوا.
وقال آخرون:
معنى ذلك: لا تقربوا المصلى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوه
جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل يعني إلا مجتازين فيه للخروج منه، فقال أهل هذه
المقالة: أقيمت الصلاة مقام المصلى والمسجد، إ ذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم
أيامئذ لا يتخلفون عن التجمع فيها، فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة كفاية عن
ذكر المساجد والمصلى الذي يصلون فيه (في التفسير 8/379و380 بتحقيق الأخوين شاكر،
وإسناده ضعيف، فيه ضعيفان: ابن أبي ليلى وسفيان بن وكيع).
ومن الصحابة
من قال بالتفسير الأول وأن المراد بعابري السبيل في الآية المسافرون: الخليفة
الراشد الرابع على بن أبي طالب رواه عنه الأئمة: ابن أبي حاتم (في تفسره وقد نقله
الحافظ بن كثير في التفسير 1/501 ورجال إسناده ثقات إلا ابن ليلى وهو على صدقه سيئ
الحفظ ولكن ذكر الحافظ ابن كثير أنه رواه ابن حاتم من وجه آخر. وابن جرير (في سننه
1/216) والبيهقي ( في مصنفه 1/157، وفي إسناده ابن أبي ليلى ضعيف سيئ الحفظ وباقي
رجال ثقات) وابن أبي شيبة (في الدر المنثور2/165) إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن
المنذر، وإسناده بطرقه جيد)، وعزاه الحافظ السيوطي إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن
المنذر، وإسناده بطرقه جيد.
ثانيا: و
هوالاستدلال بحديث جسرة بنت دجاجة قالت: “سمعت عائشة رضي الله عنها تقول:”جاء رسول
الله ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد» ثمّ
دخل النبي ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد، فقال:
«وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» والحديث ضعيف لا
يحتج به و لهذا قال الحافظ في التقريب: “إنها مقبولة”اي جسرة مقبولة إذا توبعت
وإلا فليّنَة، وفي هذا الحديث لم تتابع، والحديث ضعفه جماعة منهم: الإمام أحمد
والبخاري والبيهقي وابن حزم وعبد الحق الإشبيلي وغيرهم.
والله تعالى
أعلم .
المصدر هنا
سؤال أجاب عنه الشيخ عبد الرحمن السحيم
ما هي نصيحتك للمرأة التي تأتي إلى المسجد وهي حائض ؟
الجواب
:
نصيحتي لها أن
تعتزل الصلاة ، فلا تقف في صف النساء إذا أردن أن يُصلين ، فقد أمر النبي صلى الله
عليه وسلم النساء الحيّض بحضور صلاة العيد .
قالت أم عطية
رضي الله عنها : أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرج في العيدين
العواتق وذوات الخدور ، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين . رواه البخاري ومسلم
.
وفي رواية
للبخاري قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تَخرج العواتق وذوات الخدور أو
العواتق ذوات الخدور والحيّض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيّض المصلى .
قالت حفصة : فقلت : آلحيّض ؟ فقالت : أليس تشهد عرفة ، وكذا وكذا ؟
وفي رواية
للبخاري أيضا : فأما الحيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ، ويعتزلن مصلاهم .
فالنبي صلى
الله عليه وسلم أمر الحيّض أن يشهدن جماعة المسلمين وأن يحضرن للمصلى ، وإنما
يعتزلن الصلاة .
وقد نقل ابن
حجر رحمه الله عن ابن المنيّر رحمه الله أنه قال : الحكمة في اعتزالهن أن في
وقوفهن وهنّ لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال ، فاستحب لهن اجتناب ذلك .
اهـ .
وهنا
يَرِد سؤال :
وهو :
هل دلّ الدليل
على منع الحائض من دخول المسجد ؟
فالجواب
: لا ، إلا أن تخشى أن تلوّث المسجد .
وما
ورد إما غير صحيح ، وإما غير صريح .
فقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت
حتى تطهري .رواه البخاري ومسلم .
والقاعدة : لا
يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
ولم يقُل لها
النبي صلى الله عليه وسلم : لا تدخلي المسجد ، وإنما نهاها عن الطواف بالبيت حتى
تطهر .
وأما قوله
عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : ناوليني الخمرة من المسجد . قالت :
فقلت : إني حائض . فقال : إن حيضتك ليست في يدك . رواه مسلم .
فقد
قال الشوكاني رحمه الله :
والحديث يدل على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة ، ولكنه يتوقف على تعلق الجار
والمجرور أعني قوله " من المسجد " بقوله " ناوليني " وقد قال
بذلك طائفة من العلماء ، واستدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها
إذا لم يكن على جسدها نجاسة ، وأنها لا تمنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها .
اهـ .
يعني مخافة ما
يكون منها من تلويث المسجد .
وبهذا
قال الإمام مالك رحمه الله
قال في مواهب
الجليل :
وقال : لا
ينبغي للحائض أن تدخل المسجد ؛ لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينـزه عنه
المسجد ، ويدخله الجنب لأنه يأمن ذلك .
قال : وهما في
أنفسهما طاهران سواء ، وعلى هذا يجوز كونهما فيه إذا استثفرت . اهـ .
والاستثفار هو
التحفّظ .
وقد استدل بعض
العلماء على منع الجنب من دخول المسجد بقول الله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ
الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا
إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ )
فهذه الآية
الصحيح أنها فيما يتعلق بقربان الصلاة لا بدخول المساجد ، فالآية واضحة في نهي
المؤمنين عن أداء الصلاة في تلك الأحوال لا عن دخول المساجد .
قال
البغوي : وجوّز أحمد
والمزني المكث فيه ( يعني في المسجد ) ، وضعف أحمد الحديث ؛ لأن راويه ( أفلت )
مجهول ، وتأول الآية على أن ( عَابِرِي سَبِيلٍ ) هم المسافرون تُصيبهم الجنابة ،
فيتيممون ويُصلّون ، وقد روي ذلك عن ابن عباس . انتهى .
وقال ابن
المنذر : يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقا .
وأما حديث :
لا أُحلّ المسجد لحائض ولا لجُنُب . فقد رواه أبو داود ومدار إسناده على جسرة بنت
دجاجة ، وهي مقبولة ، أي عند المتابعة .
وقال البخاري
في التاريخ الكبير عنها : عندها عجائب .
ولذا قال
الحافظ عبد الحق : هذا الحديث لا يثبت .
فبقي الجُنب
والحائض على البراءة الأصلية من عدم المنع من دخول المساجد
وعلى البراءة
الأصلية من عدم التنجس لقوله عليه الصلاة والسلام : إن المؤمن لا ينجس . رواه
البخاري ومسلم
خاصة إذا كان
هناك مصلحة من دخول الجُنب أو الحائض المسجد .
وقد أدخل
النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال وكان مشركا ، أدخله إلى مسجده صلى الله
عليه وسلم وربطه في سارية من سواري المسجد ، ثم أسلم فيما بعد ، والحديث في
الصحيحين .
فإذا كان
المشرك لا يُمنع من دخول المسجد لوجود مصلحة ، فالمسلم الذي أصابته الجنابة أو
المسلمة التي أصابها الحيض أولى أن لا يُمنعوا .
قال الإمام
النووي رحمه الله : الأصل عدم التحريم ، وليس لمن حرّم دليل صحيح صريح . اهـ .
والله تعالى
أعلى وأعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق