الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

حلق اللحية

حلق اللحية
 
 
 
حلق اللحية حرام ؛ لما ورد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في الأمر بإعفائها وتوفيرها ، وانظر شيئا من ذلك في جواب السؤال رقم (1189) .
وعليه فلا يجوز لك العمل في مكان تؤمر فيه بهذه المعصية .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : أنا في الجيش وأحلق لحيتي دائما , وذلك غصب عني , هل هذا حرام أم لا ؟
فأجاب : " لا يجوز حلق اللحية ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وإرخائها في أحاديث صحيحة , وأخبر صلى الله عليه وسلم : أن في إعفائها وإرخائها مخالفة للمجوس والمشركين , وكان عليه الصلاة والسلام كث اللحية , وطاعة الرسول واجبة علينا , والتأسي به في أخلاقه وأفعاله من أفضل الأعمال ; لأن الله سبحانه يقول : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) وقال عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقال سبحانه : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
والتشبه بالكفار من أعظم المنكرات , ومن أسباب الحشر معهم يوم القيامة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) فإذا كنت في عمل تُلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك ; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ، فإن ألزموك بحلقها فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله , وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
وفقك الله ويسر أمرك , وثبتنا وإياك على دينه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (8/376).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/20) : " س : أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش (إحدى الدول الإسلامية) وهذا مصدر رزقه ، وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يحلق لحيته، ويعظم بعضنا بعضا، كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم علم الدولة ، ونحكم ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله (قوانين عسكرية). وإذا حاربت دفاعا عن الوطن، ولكن ليس تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشاء الله أن أقتل ، فما حكمي من القرآن والسنة ؟ وهل يمكن أن أحارب بنية مغايرة لنية الجيش الذي أحارب ضمن صفوفه؟ وإذا عملت ما قد سلف دفعا لأذى يمكن أن يلحق بي فهل أأثم بهذا؟ وهل يمكن لمسلم أن يعمل في الجيش بنية تعلم فنون القتال التي لا يمكن أن يتعلمه خارجه في ظروفنا الحالية ؟
وأفيدوني عن طاعة الوالدين في هذا الأمر ، إذا اختلفت وجهات النظر ، في حالة إذا كان الوالدان لا يحتكمان لقرآن ولا لسنة ، ولكن لتقاليد مجتمع وما اجتمع عليه الناس ، ويعتبران أن الدين ليس سوى صلاة وصيام، وغير هذا فهو تطرف. وفقكم الله إلى ما فيه رضاه، وسدد خطاكم وحفظكم.
ج: أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
رابعا: من قاتل لإعلاء كلمة الله، والذود عن المسلمين ، والحفاظ على بلاد المسلمين من العدو ، فهو في سبيل الله، وإن قتل فهو شهيد؛ لأن العبرة بالمقاصد والغايات. ويمكن أن تنوي نية مغايرة لنية الجيش؛ كأن تنوي إعلاء كلمة الله بجهادك، وإن كان غيرك ينوي خلاف ذلك، كالجهاد للوطن.
خامسا: طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب

الأحد، 16 سبتمبر 2012

الحسد

     الحسد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
 
وبعد:
فمن الصفات المذمومة التي جاء الشرع بالنهي عنها: الحسد، وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، فقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].
 
قال الراغب: الحسد تمني زوال نعمة من مستحق لها، وربما كان مع ذلك سعي في إزالتها[1]، والحسد من صفات أشر عباد الله اليهود، كما قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].
 
وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54].
 
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا"[2].
 
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: أن جبريل -عليه السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك"[3].
 
قال ابن رجب: الحسد مركوز في طباع البشر، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل، ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام: فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل، ويسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه، وهو شرهما وأخبثهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه، وهو ذنب إبليس، حيث حسد آدم -عليه السلام- لما رآه قد فاق على الملائكة بأن خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنة حتى أخرج منها، ومنهم من يحدث نفسه بذلك اختيارًا، ويعيده في نفسه مستروحًا تمني زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية، وقسم آخر إذا حسد لم يتمن زوال نعمة المحسود بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية، فلا خير في ذلك، كما قال تعالى: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79]. وإن كانت فضائل دينية فهو حسن، وقد تمنى النبي -صلى الله عليه وسلم- الشهادة في سبيل الله -عز وجل-، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل و آناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل و آناء النهار"[4]، وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة، وقسم آخر إذا وجد من نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه، والدعاء، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يُبْدله بمحبة أن يكون أخوه المسلم خيرًا منه، وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه. اهـ[5].
 
قال ابن سيرين: "ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا؛ لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار".
 
وقال أبو الدرداء: "ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده"، وقال ابن عباس: "إني لأمر على الآية من كتاب الله، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم"، وقال معاوية -رضي الله عنه-: "كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها".
 
ولذلك قيل:

كل العداوات قد تُرجى إماتتها
إلا عداوة من عاداك عن حسد
 
وقال آخر:

أيا حاسدًا لي على نعمتي
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربّي بأن زادني
وسدَّ عليك وجوه الطلب
 
•   •   •
روى الترمذي في سننه من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم"[6].
 
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، وجاء في القصة أن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- تبعه في منزله، ثم قال له: يا عبد الله إني أويت إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لانطيق"[7].
 
قال ابن القيم -رحمه الله-: ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعدة أمور:
1- التعوذ بالله من شره، والتحصن واللجأ إليه.
 
2- تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120].
 
3- الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا.
 
4- التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه.
 
5- الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه في خواطر نفسه.
 
6- تجريد التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه.
 
7- الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا في دفع العين وشر الحاسد.
 
8- وهو من أصعب الأسباب، إطفاء نار الحاسد بالإحسان إليه.
 
9- تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، الذي أزِمَّة الأمور بيده سبحانه[8].
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

[1] مفردات ألفاظ القرآن (ص ١١٦).


[2] البخاري برقم (٦٠٦٥)، ومسلم برقم (٢٥٥٩).


[3] برقم (٢١٨٦).


[4] صحيح البخاري برقم (٥٠٢٥)، وصحيح مسلم برقم (٨١٥).


[5] جامع العلوم والحكم، (ص ٢٦٠-263).


[6] برقم (٢٥١٠)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (٣٣٦١).


[7] (20/125) برقم (١٢٦٩٧) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.


[8] التفسير القيم لابن القيم (ص ٥٨٥)
 
موقع الدكتور / أمين بن عبد الله الشقاوي

السبت، 15 سبتمبر 2012

الزينة بين الزوجين

الزينة بين الزوجين
 
أم عبد الرحمن محمد يوسف
الزينة والجمال صفة جميلة متصلة بالمؤمن، يحبها الله سبحانه ويحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبها الرجل من زوجته وتحبها الزوجة من زوجها بل ويحبها كل إنسان في الوجود فهي فطرة فطره الله عليها الإنسان، لا تبديل لخلق الله.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) [رواه مسلم]، وقال أيضًا: (الطهور شطر الإيمان) [رواه مسلم]، وما دامت صفة الجمال من صفات المؤمنين فحري بالزوجين أن يتصفا بها لأنها مفتاح لزيادة الحب بينهما.
وأكبر دليل على ذلك أن الزوجان في بداية زواجهما يتزين كل واحد منهما للآخر سواءً بزينة المظهر أو بزينة الأخلاق والمخبر.
فنجد الزوجة تحرص على أن تلبس أجمل الثياب وتتعطر بأزكى العطور وتتجمل بأفضل أنواع المكياج وتتفنن في التسريحات وغيرها من أساليب التزيين المتنوعة.
ونجد الرجل أيضًا يحرص على هندامه وعطره وتصفيف شعر رأسه ولحيته، كما يتجمل لزوجته بأطايب الكلمات والهدايا والعطايا.
كما أن الرجل يبحث عن صفة الجمال في زوجته قبل الزواج، لذلك جعل الإسلام الزينة والجمال من الصفات والمعايير الهامة التي يختار لأجلها الرجل زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه].
ولما خطب المغيرة بن شعبة امرأة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما (أي: تدوم بينكما المودة والعشرة) [صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (1865)].
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن صفات الجمال في زوجته التي ترضي نفسه وتقر عينه، ليكون ذلك سببًا في دوام المودة والعشرة الطيبة بينهما، وصحيح أن المبالغة في البحث عن أوصاف الجمال منبوذ، ولكن طلبه والحرص عليه أمر محمود أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم.
وتزين الزوجة لزوجها من أهم الأسباب العملية التي تذهب الشقاق والبغض والخلاف بينها وبين زوجها وتجعله يلين لها كما يلين الجليد بالماء الساخن.
لذلك أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته فقال: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء وعليك الكحل فإنه أزين وأطيب الطيب الماء.
أوصت امرأة حكيمة ابنتها عند زواجها بنصائح ذهبية ومما قالته لها: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
إن الزوجة الذكية هي التي تهتم دومًا بمظهرها وملابسها أمام زوجها وتبدلها باستمرار كل ليلة كأنها عروس جديدة في عين زوجها، وتجعله لا ينسى أنوثتها بالرغم من أعباء المنزل والأطفال.
هكذا وصفها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير النساء قال: التي تطيع إذا أمر وتسر إذا نظر وتحفظه في نفسها وماله [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (1838)].
إن الزينة بين الزوجين قيمة مهمة لابد أن تستمر معهما طوال الحياة وألا تقتصـر على فترة البداية، لأن التواصل العاطفي يحتاج إلى استكمال معاني الجمال والنظافة والطهارة والزينة، وأن يبدو كل طرف في عين الطرف الآخر في أجمل شكل وأبهى منظر فعلى الرجل أن يكون متزينًا متجملًا لزوجته وعلى الزوجة أن تكون جميلة في بيتها متزينة.
دراسة علمية: أثر الجمال والتزين على السعادة:
أظهرت دراسة أمريكية جديدة أن الجميلين هم على العموم أكثر سعادة من غيرهم، وذلك نتيجة المنافع الاقتصادية غير المباشرة لمظهرهم الحسن.
وأشارت الدراسة التي أعدها الباحثون في جامعة تكساس أن المنافع الاقتصادية غير المباشرة للجمال مثل الرواتب العالية والمنافع الاقتصادية الأخرى وتزوجهم أشخاصًا ناجحين، مسئولة عن أكثر من نصف السعادة الإضافية لدى من يتمتعون بمظهر حسن، وأن الجمال يؤثر على سعادة النساء بشكل مباشر أكثر من الرجال.
وأكد الباحث دانييل هامرمش المسئول عن الدراسة أن الجمال الشخصـي يزيد السعادة وإن غالبية تأثير الجمال على السعادة يعمل من خلال تأثيره على النتائج الاقتصادية.
ووجدت الدراسة التي شملت أكثر من 25 ألف شخص في الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا أن الأشخاص الذين اعتبروا الأجمل وبلغت نسبتهم 15% كانوا أكثر سعادة بنسبة 10% من الأشخاص الذين اعتبروا الأقل جمالًا وبلغت نسبتهم 10%.
مشاعر نبوية: الزينة والجمال في بيت النبوة:
كان الجمال والتزين من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ذا لحية كثيفة، وكان يمشطها ويعتني بمظهرها، كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم كثرة الطيب، والحرص على الرائحة العطرة، بل كان ريح عرقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك، وهو أحد أمرين حببا إليه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا، إذ يخبرك هو بذلك فيقول: (حبب إلي النساء والطيب) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3940)].
وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب، ويقول: (من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3940)].
حتى كاد يوجب مس الطيب فيقول: (إن لله حقًّا على كل مسلم، أن يغتسل في كل سبعة أيام، وإن كان له طيب أن يمس منه).
أما عن حسن الهندام والمظهر فقد كانت عادة جميلة من هدي خير البرية صلى الله عليه وسلم، يصفه ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل) [قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، (4037): حسن الإسناد]، ويقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وعليه بردان أخضران) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (281)].
زوج وزوجة: تزوج من عمياء صماء بكماء:
يمر ثابت بن إبراهيم وهو أحد الصالحين على بستان من البساتين، وكان قد جاع حتى أعياه الجوع، فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف، ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه، فدخل البستان فوجد رجلًا جالسًا فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر، فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له.
فقال: أين هو؟ قال: بينك وبينه مسيرة يوم وليلة.
فقال: لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيدًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (4519)].
حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص قال صاحب البستان:
والله لا أسامحك إلا بشرط واحد فقال ثابت: خذ لنفسك ما رضيت من الشروط.
فقال: تتزوج ابنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة.
فقال ثابت: قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج، فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة، فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها.
فعلم أنها ليست كما قال الأب فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا: عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله، صماء من كل ما لا يرضي الله، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله، مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله.
ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام، ودخل بها وأنجب منها مولودًا ملأ طباق الأرض علمًا إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان.
استراحة زوجين: من بدائع الجمال لغة العيون:
(تحدثت الكثير من الدراسات عن لغة العيون وأنها تنمي المحبة وتشيع الحياة والدفء في البيت من جديد..
يقول أحد الباحثين: إن النظرات المتصلة لثوان قليلة يمكن أن تحدث رغم الصمت ما تعجز عنه مجلدات كثيرة حيث يمكن للزوجة أن تقرأ في تلك النظرات الكثير من كلمات الحب والحنان والعطف يمكن أن تقرأ في تلك النظرات أنت جميلة وأنا معجب بك أتكامل معك وبك.. دائمًا مفتون بما تقولين ويمكن للزوج أن يسمع نظراتها تقول: أنا متيمة بك وكم أحب أن أستمتع بحبك الحنون يغمرني، كما أن هناك ما هو أكثر من تلك المشاعر والأحاسيس فالعيون الدافئة تحقق انفجارات وثورات من براكين الحب والحنان لا يمكن لأي حواس أخرى أن تحققها.
وتؤكد دراسات علمية متعددة أن المحبين عادة ينظرون إلى عيون بعضهم أثناء الحديث ولا ينظرون إلى أنوفهم أو شفاههم أو ألسنتهم) [أنا وزوجي، صباح السعيد، ص (26)].
وأخيرًا:
قال البرقوقي: (جمال المرأة وتجملها طريق ميل الرجل وافتتانه بها....) [صورة البيت المسلم، عصام بن محمد الشريف، ص(131)].
 
منــــــــــــــقول


من الآداب الواجبة مع الله عز وجل

من الآداب الواجبة مع الله
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة - الأحاديث رقم (136 - 139):

136- ( قولوا: ماشاء الله ثم شئت ، وقولوا: ورب الكعبة ) .
أخرجه الطحاوي , والحاكم , والبيهقي , وأحمد , من طريق المسعودي عن سعيد بن خالد عن عبدالله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة قالت : ( إن حبراً جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : إنكم تشركون , تقولون : ما شاء الله وشئت , وتقولون : والكعبة , فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فذكره ) .
ولعبدالله بن يسار حديث آخر نحو هذا , وهو :
137- ( لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ ) .
138- ( إِنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ وَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ كَلِمَةً كَانَ يَمْنُعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا قَالَ لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ ) .
وللحديث شاهد آخر من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرَاجِعُهُ في بعض الْكَلَامَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
139- ( أجعلتني مع الله عدلاً [ وفي لفظ: نداً ] ؟ ! لا ، بل ما شاء الله وحده ) .
وفي هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره ( ما شاء الله وشئت ) : يعد شركاً في الشريعة , وهو من شرك الألفاظ , لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى , وسببه القرن بين المشيئتين , ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعي العلم ( مالي غير الله وأنت ) و( وتوكلنا على الله وعليك ) , ومثله قول بعض المحاضرين : ( باسم الله والوطن ) , أو ( باسم الله والشعب ) , ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها , أدباً مع الله تبارك وتعالى .
ولقد غفل عن هذا الأدب الكريم كثير من العامة , وغير قليل من الخاصة الذين يسوغون النطق بمثل هذه الشركيات , كمناداتهم غير الله في الشدائد , والاستنجاد بالأموات من الصالحين , والحلف بهم من دون الله تعالى , والإقسام بهم على الله عز وجل , فإذا ما أنكر ذلك عليهم عالم بالكتاب والسنة , فإنهم بدل أن يكونوا عوناً على إنكار المنكر , عادوا بالإنكار عليه , وقالوا : إن نية أولئك المنادين غير الله طيبة , وإنها الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث .
فيجهلون أويتجاهلون – إرضاء للعامة – أن النية الطيبة وإن وجدت عند المذكورين , فهي لا تجعل العمل السيئ صالحاً , وأن معنى الحديث المذكور إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة , لا أن الأعمال المخالفة للشريعة تنقلب إلى أعمال صالحة مشروعة بسبب اقتران النية الصالحة بها , ذلك ما لا يقوله إلا جاهل أو مغرض , ألا ترى أن رجلاً لو صلى تجاه القبر , لكان ذلك منكراً من العمل , لمخالفته للأحاديث والآثار الواردة في النهي عن استقبال القبر بالصلاة , فهل يقول عاقل : إن الذي يعود إلى الاستقبال – بعد علمه بنهي الشرع عنه – إن نيته طيبة وعمله مشروع ؟ كلا ثم كلا , فكذلك هؤلاء الذي يستغيثون بغير الله تعالى , وينسونه تعالى في حالة هم أحوج ما يكونون فيها إلى عونه ومدده , لا يعقل أن تكون نياتهم طيبة , فضلاً عن أن يكون عملهم صالحاً , وهم يصرون على هذا المنكر وهم يعلمون.
 

الأيام العشر من ذي الحجة فضائلها وما يستَحبّ فيها

الأيام العشر من ذي الحجة

فضائلها وما يستَحبّ فيها

د.عدنان علي رضا محمد النحوي

إن الإسلام هو دين الله الحق الذي بعث به الله جميع الأنبياء والمرسلين ، ديناً واحداً لهداية البشرية مدى الزمن كله . وبعث الله الرسول الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم مصدّقاً للرسالات قبله ومهيمناً عليها ، وأنزل عليه الكتاب قرآناً عربيّاً جامعاً لكل ما جاءت به الرسل ، وهادياً للبشرية إلى يوم القيامة .

إنّ الإسلام المفصّل بالكتاب والسنة نهج متكامل متناسق مترابط ، ونور ممتد مع الدهر ، وصراط مستقيم ، يفصِّل التكاليف الربانيّة التي وضعها الله عهداً وميثاقاً في عنق كل مسلم ، على الإنسان الفرد ، وعلى الأمّة كلها ، وعلى كل مستوى من مستوياتها . وجاء هذا كله على صورة معجزة لا يستطيع أحد من الإنس والجن أن يأتي بمثله ولو اجتمعوا له ، إنه كتاب الله القرآن العظيم :

( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [ الإسراء :88]

وهذا إعجاز ممتد مع الدهر كله . ومن آيات هذا الإعجاز في كتاب الله أنه يهـدي للتي هي أقوم ، ويحمل البُشْرى للمؤمنين الصادقين الذي يعملون الصالحات :

( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) [ الإسراء :9]

وهذا الإعجاز في كتاب الله والبيان الذي يهدي للتي هي أقوم يبرز جليّاً في تكامله وترابطه وتناسقه ، ولا يرضى الله سبحانه وتعالى من عباده أن يأخذوا ببعضه ويتركوا بعضه ، ولا أن يخلطوه مع غيره مما سبق وأنزله الله على رسله السابقين ، فهو جامع بإعجازه ذلك كله :

( ... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ  فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ  وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [ البقرة :85]

نعم ! هذا الخطاب في هذه الآية الكريمة كان موجهاً إلى بني إسرائيل ولكنه خطاب ممتد في حكمه مع الزمن كله ، ومع ما أنزل الله على رسله ، وما أنزله على رسوله النبيّ الخاتم مصدّقاً لما قبله ومهيمناً عليه  ففضائل الإسلام في الرسالة الخاتمة بخاصة متماسكة كلها يشدّ بعضُها بعضاً ، ويبقى أثرها ممتدّاً في حياة الإنسان بهذا التماسك والترابط ، ويبرز بذلك هديه لما هو أقوم ، ولما يحمل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات من بشائر ، صراطاً مستقيماً ونهجاً موصولاً .

ويعرض هذا الدين في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم آيات بيّنات وأحاديث شريفة تبرز عظمة الأيام العشر من ذي الحجة ، لتذكّر كلها بامتداد العمل الصالح وتجديده ، والتوبة وتجديدها ، والذكر والدعاء  ولقد عظمت منزلة الأيام العشر من ذي الحجة عند الله ، حتى أقسم بها في كتابه الكريم .

( وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ . وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ . وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ . هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) [ الفجر :1ـ5]

والليالي العشر مرتبطة ممتدة مع الفجر ومع الليل إذا يسر ، وكأنه امتداد مع الدهر كله ابتداءً من الفجر وامتداداً مع الليل الذي يسري في هذا الدهر كله .

إن الله سبحانه وتعالى ، حين يبيّن لنا أهميـة هذه الأيام العشر وعظيم فضلها ، لا يريد من عباده أن يذكروه ويسبحوه في هذه الأيام العشر ، حتى إذا انتهت نسوا ذلك بعدها كما كانوا قد نسوه قبلها .

 فالله سبحانه وتعالى يريد أن تظل العبادة والذكر في حيـاة الإنسان كلها حسب ما يفصّله في الكتاب والسنة ، ممتدة مع العمر كله : فشهر رمضان له فضله ، والصلاة المفروضة لها فضلها ، إلا أن الأيام العشر من ذي الحجة جمعت ذلك كله فضلاً من الله سبحانه وتعالى ! لقد جمعت هذه الأيام العشر شعائر العبادة وأنواع البر ، جمعت الصلاة والصيام والحج والصدقـات والذكر والتكبير والتهليل والتلبية .

 إنها كلها تمتد في حياة المسلم ، وتجتمع في هذه الأيام العشر ، لتجعل لها فضلها المتميز عند الله ، ولتمتدَّ إلى ما بعد الحج ، نهج حياة ممتدّاً ، ينشر الخير في حياة البشرية ، وينشر الصلاح والفضائل والعمل الصالح ، والذكر كله .

إنه نهج حياة أمة مسلمة ، يريدها الله أن تحمل هذا الخير كله للبشرية على هدْيٍ من هذا الدين العظيم ، الذي يظل يذكّر الإنسان بالتكاليف والشرائع ، ويقرع القلوب طوال العام بالذكر والصلاة والصيام ، من فرائض ونوافل ، ثمَّ يأتي شهر رمضان المبارك ، ثم تأتي الأيام العشر لتجمع ذلك كله مع شعائر الحج ، نهج حياة للإنسان والبشريّة تحمله الأمة المسلمة لتبني للبشرية حياة صالحة ما استمسكت بهذا الدين العظيم .

وإذا كان " الذكر " مطلوباً في الأيام كلها ، فتأتي أيام العشر من ذي الحجة لتؤكِّد أهمية ذكر الله :

( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) [ الحج :228]

فذكر الله في حياة المؤمن ماض قبل الحج وبعده ، ولكن الثواب عليه في عشر ذي الحجة أعظم ، لتؤكد هذه الأيام المباركة أهمية الذكر وعظيم ثوابه .

وفيها يوم عرفة ، يوم الحج الأكبر ، حيث يَجتمع حجاج الأمة المسلمة من مشارق الأرض ومغاربها في صعيد واحد ، ليتذكَّر المسلم أن من أهم قضايا هذا الدين هو هذه الأمة المسلمة الواحدة التي لا يقوم عزّها وقوّتها إلا بهذا التلاحم أمة واحدة كالجسد الواحد ترتبط برابطة أخوة الإيمـان ، وتتبرّأ من العصبيات الجاهلية .

 وتظل شعائر الحج كلها تؤكد على هذا التلاحم بين المسلمين ليكونوا أمة واحدة ، وصفّاً واحداً كالبنيان المرصوص .

وما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يتذكروا هذا الأمر وأنهم أمة واحدة بدلاً من أن يكونوا ممزّقين حدوداً وأقطاراً ، ومصالح وأهواء ، وقوانين بعيدة عن شرع الله تزيدهم فرقةً وتمزّقاً .

إن كل يوم من أيام عشر ذي الحجة لتذكِّر المسلم بأُمته الواحدة التي هي حاجة أساسية للبشرية كلها :

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ  وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ  مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )

[ آل عمران :110]

نعم ! خير أمة أخرجـت للناس ، للناس كافّة ، للبشرية تحمل الهدي والنور ، وكل شعيرة من شعائر الحج ، وكذلك كل شعيرة من شعائر الإسلام لتؤكد خطورة هذه القضية ، قضية الأمة المسلمة الواحدة في أرضها وشرعها ودينها وكل أمورها .

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا  وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ  وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 103ـ105]

إن أيام الحج أيام عشر ذي الحجة ، هي أيام تذكير وتوعية ، فليقف المسلم فيها مع نفسه ، ولتقف جموع الحج كذلك مع نفسِها لتتساءل : أين خالَفَتْ شرع الله ولماذا نزل عليها الهوان والذلة في هذه المرحلة من حياتها ؟!

وإن أعظم ما توحي به شعائر الحج كلها ، ويوم الحج الأكبر ، يوم عرفة ، أن واجب المسلمين في شرع الله أن يكونوا أمة واحدة وصفّاً واحداً ، تحمل رسالة الله إلى الناس كافة : " وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ويؤمنون بالله .." إنه أمر الله لعباده المؤمنين أن يبلّغوا رسالة الله إلى الناس كافّة كما أُنْزِلتْ على محمد صلى الله عليه وسلم ويتعهَّدوهم عليها ، تبليغاً وتعهّداً منهجيين حتى يُُحقّقَ التبليغ والتعهد الهدف الأسمى بأن تكون كلمةُ الله هي العليا .

إن يوم الحج الأكبر ، يوم عرفة ، يوم جليل عظيم في تاريخ الإسلام والمسلمين ، يوم تبرز فيه الأمة المسلمة الواحدة صفّاً واحداً تعبد ربّاً واحداً ، يلبُّون جميعهم تلبية واحدة : لبيكَ اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ! صوت واحد ودعاء واحد ، تدوّي به آفاق الدنيا ، إلا الذين سُدّت آذانهم بالضلالة والفتنة والكفر ، فأصمهم الله وأعمى أبصارهم .

وتمضي جميـع جموع الحجيج مع كل شعائر الحج أمة واحدة وصفّاً واحداً ، دعاءً واحداً وذكراً لله واحداً ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد !

حتى إذا انتهت شعائر الحج وأخذ حجاج بيت الله يغادرون إلى أقطارهم الممزّقة المتناثرة ، فهل تبقى صورة الموقف في عرفة وفي سائر شعائر الحج ، صورة الأمة المسلمة الواحدة راسخة في القلوب ، أم تأخذ هذه الصورة تغيب ، وتعود إلى القلوب جميع أنواع العصبيات الجاهلية ، فتتقطّع روابط أُخوة الإيمان التي أمر الله بها ، وتعود الحياة إلى طريقها السابقة ، ويتفلّت الناس أو بعض الناس من شعائر هذا الدين .

يجب أن يشعر المؤمن بعد أدائه شعائر الحج وعودته إلى بلده بالفارق بين حالتين : أمة مسلمة واحدة في الحج ، وشعوب متفرّقة متفلتة بعد الحج ، تقطعت فيها الروابط وغابت بعض الشعائر ، وبرزت دعوات جاهلية متعددة تنفث سمومها في ديار المسلمين . يجب أن يشعر المؤمن بهذا الفارق الكبير حتى يدرك مدى مسؤوليته في بناء الأمة المسلمة الواحدة .

من أجل هذه القضية الخطيرة ، قضية الأمة المسلمة التي أمر الله عباده المؤمنين أن يكونوا عليها ، من أجل هذه القضية التي تبرز أكثر ما تبرز في أيام الحج كلها ، وفي شعائره كلها ، ومن أجل معاني التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى ، التوحيد الذي تؤكده كل شعيرة في الحج وكل دعاء وكل تلبية ، من أجل هذه القضايا الرئيسة في الإسلام ، كانت أيام الحج أعظم عند الله من غيرها ، ففيها ذكر وتذكير ، وربط وتوثيق ، ودعاء وصلاة وصيام وصدقة ، كل ذلك من أجل أن يكون المسلمون أمة واحدة تعبد ربّاً واحداً توحّده ولا تشرك به !

ولذلك كما نرى جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ! قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " [ أخرجه البخاري

إنها نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين أن رزقهم نعمة أيام الحج ليتسابق المؤمنون إلى العمل الصالح يعبدون به ربّاً واحداً ، ويلتقون أمة واحدة ، وصوتاً واحداً يدوّي بالتكبير والتهليل والدعاء والتسبيح ، والصلاة والصيام وأداء جميع مناسك الحج بقلوب خاشعة لا تحمل رياءً ولا شركاً !

وعندما يحرص المسلم على اغتنام هذه الأيام العظيمة وفضلها الكبير ، فإنه يحرص على مجاهدة النفس لإصلاحها وتطهيرها بالطاعات المشروعة المسلمة ، حريصاً على عزّتها وقوتها ، طاعةً لله وصدقاً في إيمانه وعبادته ، فتمتد الروابط بين المؤمنين ، بين القلوب الخاشعة الصادقة مع ربّها ، وتُبنى أسس القوة والعزّة لهذا الدين العظيم ولأمته وجنوده الصادقين ، وهم صفٌّ واحد .

لذلك جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" صيام يوم عرفة يُكَفّر سنتين : ماضية ومستقبلة ، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " [ أخرجه أحمد ومسلم والترمذي](1)

وقال البخاري : كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبّته بِمنى ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً .

 ويحسن بالمسلم أن يحرص على التكبير الجماعي ما أمكنه ذلك ، وأن يجهر بالتكبير ويرفع صوته به .

ويستحب في هذه الأيام العشر القيام بكل الأعمال الفاضلة مثل تلاوة كتاب الله ودراسته وتدبره ، والاستغفار والتوبة ، وبر الوالدين وصلة الأرحام ، واطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، كل عمل طيب صالح ، حتى تتأكد مع كل عمل وحدة الأمة المسلمة ، وتستقرّ في قلب كل مسلم على أنها قاعدة رئيسة في دين الله الإسلام ، وذلك كله حتى تكون كلمة الله هي العليا في الأرض ، حين يؤدّي المسلمون الأمانة التي وضعها الله في أعناقهم ، ليكونوا خير أمة أُخرجت للناس ، وليبلغوا رسالة الله كما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ويتعهدوهم عليها ، وفاءً بالعهد والأمانة التي سيحاسبون عليها بين يدي الله يوم القيامة !

 أمقَـامَ إبْرَاهِيمَ ، وَالبَيْـتُ العَتِيـ --- ـقُ هُـدىً وآيـاتٌ لَهُ وَبَيـانُ(2)

الطَّائفُـون الـرَّاكعـون لِـرَبِّهِـمْ --- خَفَقَـتْ قُلُوبُهُـمُ وَضَـجَّ لِسَـانُ

تَتَـزاحَـمُ الأقْـدَامُ في سَاحَاتِـه --- وتَـرِفُّ بَيْـنَ ظِـلالِـهِ الأَبْـدانُ

وَمِنى صَدى رَبَواتِها التَّوحِيدُ والتْـ --- ـتَّكبيـرُ والإخْـبـاتُ والإذْعـانُ

عَرفَـاتُ سَاحَاتٌ تَضِـجُّ وَرَحمَـةٌ --- تَغْشَـى وَدَمْـعٌ بَيْنَهَـا هَـتَّـانُ

لَبَّيْـكَ يَا اللهُ ! وَانْطَلَقَـتْ بِـهَـا --- رُسُـلٌ وَفَوَّحَـتِ الرُّبَـى وَجِنَـانُ

لَبَّيـكَ والدُّنْيا صَدىً والأفْـقُ يَـرْ --- جِعُهَـا نَـدىً يَبْتَـلُّ مَنْـهُ جَنَـانُ

لَبَّيْكَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، الرِّضـا --- والخيـرُ مِنْكَ ، بِبَابِـكَ الإحْسَـانُ

* * * * * *

لَبَّيْـكَ ، والتَفَتَ الفُؤادُ وَدَارَت الْـ --- ـعَيْنَـانِ وانْفَلَتَتْ لَهَـا الأشْجَـانُ

دَقَّـتْ قوَارِعُها الدِّيـارَ فَزُلْزِلَـتْ --- تَحْـتَ الخُطَى الأرْبَاضُ والأرْكـانُ

جَمَعـتْ مَرَامِيـهِ البلادَ فَمَشْـرِقٌ --- غَـافٍ وغَـرْبٌ لَـفَّـهُ النَّسْيـانُ

* * * * * *

أيْـنَ الحَجِيجُ ! وكُلُّ قَلْبٍ ضَـارِعٍ --- وَمَشَـارِفُ الـدُّنْـيَـا لَـهُ آذَانُ

نَزَعُوا عن السَّاحَاتِ وانطَلَقَتْ بِهِمْ --- سُبُـلٌ وَفَـرَّقَ جَمْعَهُـمْ بُـلْـدَانُ

وَطَوَتْهُـمُ الدُّنْيَا بِكُـلِّ ضَجيجِهـا --- وَهَـوَىً يُمَزِّقُ شَمْلَهُـمْ وَهَـوَانُ

وَمَضَى الحَجِيـجُ كَأنَّهُ مَا ضَمَّهُـمْ --- عَـرفَـاتُ أوْ حَـرَمٌ لَـهُ وَمَكَـانُ

بِالأمْـسِ كَمْ لَبَّـوْا عَلى سَاحَاتِـهِ --- بِالأمْـسِ كم طَافُوا هُناك وَعَانُـوا

عَرَفَاتُ سَاحَاتٌ يَمُوتُ بَهَا الصَّدى --- وتغِيـبُ خَلْـفَ بِطاحِهِ الوُدْيـانُ

لَـمْ يَبْـقَ في عَرفَـاتِ إلاّ دَمْعَـةٌ --- سَقَطَـتْ فبَكَّتْ حَوْلَهـا الوُدْيَـانُ

هي دَمْعَـةُ الإسْلامِ يَلْمَعُ حَوْلَهـا --- أمَـلٌ وتُهْـرَق بَيْنَهـا الأحـزَانُ

* * * * * *

يَـا أمَّـةَ القُـرْآنِ دَارُكِ حُـلْـوَةٌ --- مَـا طَوَّفَـتْ ذِكْرَى وَهَاجَ حَنَـانُ

مَغْنَـاكِ مَنْثُـورُ الأزاهِـر كُلُّهـا --- عَبَـقٌ إذا خَضرَتْ بِـهِ العِيـدَانُ

لا أنْتَقِي مَنْ غَرْسٍ رَوْضِكِ زَهْـرَةً --- إلاَّ وَكَـانَ عَبيـرَهَـا الإيـمَـانُ

* * * * * *

---------------------------

(1)   صحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم :3806) . عن أبي قتادة .

(2) من قصيدة : " لم يبق في عرفات إلاّ دمعة ، للدكتور عدنان النحوي