الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

الفرق بين الحديث الصحيح ، والحديث الذي إسناده صحيح




الفرق بين الحديث الصحيح ، والحديث الذي إسناده صحيح 




السؤال: ما الفرق بين الحديث الصحيح ، والحديث الذي إسناده صحيح ؟



أولا :


يقرر المحدثون أن الحديث الصحيح الذي يغلب على الظن ثبوت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط الخمسة الآتية :
1- أن يكون كل راوٍ من رواته عدلا .
2- أن يكون كل راوٍ من رواته ضابطا ( تمام الضبط أو قاصرا عنه )
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه .
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه .
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (79163)


ثانيا :


ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق الشروط وأصعبها على الناقد ، لأن تحقيقها يحتاج إلى بحث شديد ، وتدقيق ، وجمع لطرق الحديث ورواياته ، كما يحتاج إلى خبرة واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد – لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين في أحكامهم ، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى ، فإذا قامت هذه الشروط بإسناد معين قالوا : إسناد صحيح . ليشعروا القارئ أنهم ضمنوا له الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس ، كي يكون القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث . 


يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :


" قولهم : ( هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ) دون قولهم : ( هذا حديث صحيح أو حديث حسن ) لأنه قد يقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولا يصح لكونه شاذا أو معللا " انتهى.  " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول ابن كثير :
" الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن ، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً " انتهى. " اختصار علوم الحديث " (ص/43)
ويقول العراقي في ألفيته :
" والحكم للإسناد بالصحة أو *** بالحسن دون الحكم للمتن رأوا " انتهى. " التبصرة والتذكرة " (1/107)


ثالثا :


ومع ذلك فقد يستثنى من هذه التفرقة ما إذا عرف الإمام بأنه لا يفرق في اصطلاحه بين هذين الاستعمالين " إسناد صحيح " و " حديث صحيح "، فقد يطلق الإمام – وخاصة إذا كان من المتقدمين – قوله " إسناد صحيح " ويريد به تصحيح الحديث نفسه ، والحكم بانطباق الشروط الخمسة جميعها .
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :
" غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله : إنه صحيح الإسناد ، ولم يذكر له علة ، ولم يقدح فيه ، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه ؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر . والله أعلم " انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين مَن يُفَرِّقُ - في وَصفِهِ الحديث بالصحة - بين التقييد والإطلاق ، وبين مَن لا يُفَرِّق .
فمن عُرف مِن حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ، ويُحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا ، وتقييده على الإسناد فقط .
ومَن عُرف مِن حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد ، فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا " انتهى . [ وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة ] . 


" النكت على ابن الصلاح " (1/474)


والله أعلم .



الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

عاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).






عاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).
عاشوراء المُلهِمة




يوم العاشر من المحرَّم يوم مليء بالعِبَر، التي تمثل علامات حيَّة في أوساط الأشخاص والدول والحضارات؛ فعاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).

(ولاء) لا ينقطع بين أهل الحق مهما باعدَت بينهم الأزمنةُ، وفرَّقَت بينهم الأمكنة؛ فإنَّ رباط الحقِّ يجمعهم، ونصرته تشملهم؛ ولهذا ورد أنَّ صيام يوم عاشوراء حرص عليه الأنبياء ومحمدًا صلى الله عليه وسلم صامَه لنجاة موسى وقومه، وشرع الرسول الأكرم للمسلمين صيامه إلى قيام الساعة[1].

رابطة عمليَّة عجيبة تعلِن أنَّ أصحاب الحق أَولى ببعضهم فرحًا وحزنًا، ونصرةً وتأييدًا، وهكذا ينبغي أن يكونوا دائمًا؛ ((مثل الجسَد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى سائر الجسد بالسهر والحمَّى))[2].

وعاشوراء (براءة) لا تزول؛ من عصبيَّاتٍ تَنبني على الطغيان، وأعمالٍ تقوم على الظُّلم، ومخالفات تُنكِر الفضلَ وتَجحد النِّعم، ومؤثِّرات تشوِّش على الحقِّ وتَذهب بشخصيَّة معتنقيه، ومن ثَمَّ فلا يَنبغي للمسلم أن يقع تحت تأثير شيء من ذلك؛ عقيدةً أو عبادات أو عادات أو أخلاقًا! بل شخصيَّة صاحب الحق شخصيَّة مستقلَّة مترفِّعة عن الدنايا؛ يأخذ الحكمةَ أنَّى وجدها ويستفيد بها، وفي ذات الوقت يستقلُّ بنفسه ومنهجِه متى ما استبانَت له السَّبيل، ووضحَت له المحجَّة: ((لئن عِشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع))[3]، يَنتصر بذلك على فِتن التغريب وطغيان عادات غير المسلمين عليه.

وعاشوراء (أمل) يتجدَّد في نفوس البائسين بأنَّ الفرج قريبٌ مهما بدا لنا بُعدُه، وأنَّ النَّصر للحقِّ مهما تزَلزَل أهلُه، وأنَّ النور من رَحِم الظَّلماء مسراه مهما كثرَت الشكوك فيه، لتتأمَّل الأنفسُ اليائسة آيات الله في كلِّ زمان ومكان، ولتعتبِر بما حكى القرآنُ من جولات الصِّراع بين الحقِّ والباطل - نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وموسى، ومحمد، مع أقوامهم - ما فيها وما قد كان، حتمًا سترتدُّ قلوبهم موقِنَة، ونفوسُهم مطمئنَّة، إلى أنَّ النصر حليفهم، وأن الأمل قريب...( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ )[يونس: 103].

عاشوراء ملهمة... تحتاج منَّا إلى تأمُّلات.




[1] أحاديث مشروعية صيام يوم عاشوراء كثيرة مشهورة، وهي في الصحيحين وغيرهما؛ منها حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثمَّ أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرض رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شاء فليصمْه، ومن شاء فليُفطره))؛ أخرجه البخاري (1592)، ومسلم (2639).
وفي فضله حديث غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه - في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث طويل - قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: ((يكفِّر السَّنةَ الماضية))، وفي رواية: ((صيام يوم عاشوراء أَحتسِب على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله))؛ أخرجه مسلم (2746 - 2747)، وغيره.
وورد في سبب صيامه حديثُ سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فرأى اليهودَ تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا؟))، قالوا: هذا يومٌ صالح، نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم؛ فصامه موسى، قال: ((فأنا أحقُّ بموسى منكم))، فصامَه وأمر بصيامه؛ أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (3397).



[2] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).


[3] أخرجه مسلم (1134)، وفي (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): "وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان العام المقبِل، صمنا اليومَ التاسع))؛ إنَّما قال هذا صلى الله عليه وسلم لحصول فائدة الاستئلاف المتقدم، وكانت فائدته: إصغاءهم لما جاء به؛ حتى يتبيَّن لهم الرشد من الغَي، فيحيا من حَيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بينة، ولمَّا ظهر عنادهم كان يجب مخالفتهم - أعني: أهل الكتاب - فيما لم يُؤمر به؛ وبهذا النَّظر وبالذي تقدَّم، يَرتفع التعارض المتوهَّم في كونه صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ موافقةَ أهل الكتاب، وكان يحبُّ مخالفتَهم، وأنَّ ذلك في وقتين وحالتين، لكن الذي استقرَّ حاله عليه: أنَّه كان يحبُّ مخالفتَهم؛ إذ قد وضح الحقُّ، وظهر الأمرُ، ولو كره الكافرون؛ [9/ 140] .






منقول بتصرف

المصدر