الاثنين، 31 أغسطس 2015

شروط الحج









إنّ الشريعة الإسلامية جاءت من لَدُن حكيم خبير، لا يُشرع منها إلاّ ما كان مُوافقاً للحكمة، ومطابقاً للعدل، لذلك كانت الواجبات والفرائض لا تلزم الخلق إلاّ بشروط مرعية يلزم وجودها حتى يكون فرضها واقعاً موقعه.

فمن ذلك فريضة الحج لا تكون فرضاً على العباد إلاّ بشروط:

الشرط الأول: أن يكون مسلماً، بمعنى أنّ الكافر لا يجب عليه الحج قبل الإسلام، وإنّما نأمره بالإسلام أولاً، ثم بعد ذلك نأمره بفرائض الإسلام، لأنّ الشرائع لا تُقبل إلاّ بالإسلام، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].

الشرط الثاني: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج ولا يصح منه لأنّ الحج لا بد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك من المجنون.

الشرط الثالث: البلوغ، ويحصل البلوغ في الذكور بواحد من أمور ثلاثة:

1ـ الإنزال، أي إنزال المني لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:59]، وقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «غُسل الجمعة واجب على كل محتلم» (متفق عليه).

2ـ نباتُ شعر العانة، وهو الشعر الخشن يَنبت حول القُبل لقول عطية القرظي رضي الله عنه: "عُرضنا على النبي صلى الله عليه وسلّم يوم قُريظة، فمن كان محتلماً أو أَنبتَ عانته قُتِل ومَنْ لا تُرِك".

3ـ تمام خمس عشرة سنة، لقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلّم يوم أُحد وأنا ابن أربعَ عشرة سنةٌ فلم يُجزني". زاد البيهقي وابن حبان: "ولم يَرَني بلغتُ، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني". وفي رواية للبيهقي وابن حبان: "ورآني بلغت". قال نافع: فَقدِمتُ على عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة فحدّثته الحديث، فقال: "إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب لعماله أن يفرضوا ـ يعني من العطاء ـ لمن بلغ خمس عشرة سنة". (رواه البخاري).

4ـ ويحصل البلوغ في الإناث بما يحصل به البلوغ في الذكور، وزيادة أمر رابع، وهو الحيضُ، فمتى حاضت فقد بلغت وإن لم تبلغ عشر سنين. فلا يجب الحج على من دون البلوغ لصغر سنه، وعدم تحمُّله أعباء الواجب غالباً، ولقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «رُفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يَكبُر، وعن المجنون حتى يفيق» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم).

لكن يصح الحج من الصغير الذي لم يبلغ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم لقي رَكباً بالروحاء ـ اسم موضع ـ فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: «رسول الله»، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولكِ أجر» (رواه مسلم). وإذا أثبت النبي صلى الله عليه وسلّم للصبي حجاً ثبت جميع مقتضيات هذا الحج فليُجنَّب جميع ما يجتنبه المُحرم الكبير من محظورات الإحرام، إلا أن عمدَه خطأٌ، فإذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليِّه.

الشرط الرابع: الحرية، فلا يجب الحج على مملوك لعدم استطاعته.

الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن، بأن يكونَ عنده مال يتمكن به من الحج ذهاباً وإياباً ونفقة، ويكون هذا المال فاضلاً عن قضاء الديون والنفقات الواجبة عليه، وفاضلاً عن الحوائج التي يحتاجها من المطعم والمشرب والملبس والمنكح والمسكن ومتعلقاته وما يحتاج إليه من مركوب وكُتبِ علمٍ وغيرها، لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].


ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة مَحْرَمٌ، فلا يجب أداء الحج على من لا محرم لها لامتناع السفر عليها شرعاً، إذ لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا غيره بدون محرم، سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وسواء أكان معها نساء أم لا، وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزاً شوهاء، وسواء في طائرة أم غيرها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يخطب يقول: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم»، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : «انطلق فحج مع امرأتك». ولم يستفصله النبي صلى الله عليه وسلّم هل كان معها نساء أم لا؟ ولا هل كانت شابة جميلة أم لا؟ ولا هل كانت آمنةً أم لا؟ والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة قاصرةٌ في عقلها وتفكيرها والدفاع عن نفسها، وهي مطمعُ الرجال، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها؛ ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغاً عاقلاً، فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه.

والمَحرَمُ زوج المرأة، وكل ذَكرٍ تَحرمُ عليه تحريماً مؤبداً بقرابةٍ أو رضاع أو مصاهرة.

فالمحارم من القرابة سبعة:

1ـ الأصول؛ وهم الأباء والأجداد وإن علوا، سواء من قِبَلِ الأب أو من قِبَلِ الأم.

2ـ الفروع؛ وهم الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات وإن نزلوا.

3ـ الإخوة؛ سواءٌ كانوا إخوةً أشقاء أم لأب أم لأم.

4ـ الأعمام؛ سواء كانوا أعماماً أشقاء أم لأب أو لأم، وسواء كانوا أعماماً للمرأة أو لأحدٍ من آبائها أو أمهاتها،فإن عم الإنسان عمٌّ له ولذريته مهما نزلوا.

5 ـ الأخوال؛ سواء كانوا أخوالاً أشقاء أم لأب أم لأم، وسواء كانوا أخوالاً للمرأة أو لأحدٍ من آبائها أو أُمهاتها، فإن خال الإنسان خالٌ له ولذريته مهما نزلوا.

6ـ أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم وإن نزلوا، سواءٌ كانوا أشقاء أم لأب أم لأم.

7ـ أبناء الأخوات وأبناء أبنائهن وأبناء بناتهن وإن نزلوا، سواءٌ كُنّ شقيقات أم لأب أم لأم. والمحارم من الرضاع نظير المحارم من النسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «يحرمَ من الرضاع ما يَحرمُ من النسب» (متفق عليه).

والمحارم بالمصاهرة أربعة:

1ـ أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا.

2ـ آباء زوج المرأة وأجداده من قِبَل الأب أو من قِبَل الأم وإن عَلَوا.

3ـ أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها وإن نزلن. وهذه الأنواع الثلاثة تثبت المحرمية فيهم بمجرد العقد الصحيح على الزوجة، وإن فارقها قبل الخلوةِ والدخولِ.

4ـ أزواج أمهات المرأة وأزواج جداتها وإن علوا، سواء من قِبَل الأب أو من قِبَل الأم، لكن لا تثبت المحرمية في هؤلاء إلا بالوطء، وهو الجماع في نكاح صحيح، فلو تزوج امرأةً ثم فارقها قبل الجماعِ لم يكن مَحرماً لبناتها وإن نزلن. فإن لم يكن الإنسان مستطيعاً بماله فلا حج عليه، وإن كان مستطيعاً بماله عاجزاً ببدنه؛ نظرنا. فإن كان عجزاً يُرجى زواله كمرض يُرجى أن يزول، انتظر حتى يزول، ثم يُؤدي الحج بنفسه. وإن كان عجزا لا يُرجى زواله، كالكبر والمرض المُزمن الذي لا يُرجى برؤه، فإنه يُنيب عنه من يقوم بأداء الفريضة عنه لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضةُ الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: «حجي عنه» (رواه الجماعة).

هذه شروط الحج التي لا بد من توافرها لوجوبه. واعتبارها مطابقٌ للحكمة والرحمة والعدل {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] .



الأحد، 30 أغسطس 2015

إنّما المرونةُ.. بالتمرُّن!






إنّما المرونةُ.. بالتمرُّن!



ذبُلَتْ ورودها.. حاولتْ كثيراً أن تثنيَه عمّا تجده مؤذياً لها دون جدوى.. هو يصرّ أن لا بأس بما يقوم به.. وهي تفور وتغلي من هذا التصرّف الذي بات يؤرّقها.. لم ينفع الحوار الذي كان ينقطع من بدايته إثر عاصفة تجتاحهما معاً كلما فتحا الموضوع.. ليعودا لنقطة الصفر.. فيغضب وتحمرّ عيناها! انقطعت السبل.. فبدأت تخطّ النهاية لزواجٍ يانع أخضر!


وفي سكنٍ آخر.. زوجٌ يحبّ زوجته.. ولكنه يريدها كصورةٍ رسمها في خياله.. فهو في دأبٍ ليغيّر ما لا يرضى فيها.. كلامها.. تصرفاتها.. لباسها.. لا يريد أن يتقبّل أنّ كل ذلك جزء من شخصيتها التي اختارها ولم يرغمه أحد عليها! فبات يقف لها عند كل مفرقٍ ليبثّ الضيق ويسطّر الملاحظات.. حتى ضاقت ذرعاً.. وضاق الفضاء!


صورٌ كثيرة نراها في حكايا واقعية تُؤلم وتُبكي.. إذ في أغلبها يصل الزوجان إلى حائط الطلاق الصامت أو الفِعليّ لتبدأ المعاناة في عوائل ما وجد فيها النور له مسكناً! وكان مفتاح القضية كلمة: المرونة!


حين يتشبّث كلّ طرف برأيه ويريد فرض رؤيته على الآخر.. ويعشعش العناد في رأسه.. ويبدأ بالنظر إلى شريكه في الزواج كعدوٍّ يريد تجريده من كل أسلحته لأنّه لم يتّفق معه على رأي.. ويصبح التعصّب سيد الموقف.. ويضيق الأفق ويقصر النظر.. ويتوهّم وتتأفّف.. فينكفئ على ذاته وتبعُد.. يسقط كلٌّ منهما في جبّ الهوى!


يُعَرِّف الأستاذ أنس الأحمدي المرونة بأنها الاستجابة الانفعالية والعقلية التي تمكِّن الإنسان من التكيّف الإيجابي مع مواقف الحياة المختلفة، سواء كان هذا التكيّف بالتوسط أو القابلية للتغيُّر أو الأخذ بأيسر الحلول.. فتكون ثمراتها الصّحة النّفسية.. والنظرة الإيجابية للحياة.. والاستمرارية في العطاء.. والاتصال الفعال.. فهل نزهد في هذه الثّمرات وانعكاساتها على الحياة الزوجية السعيدة فقط لأننا نحترف التعصّب والعناد؟! ألا يستحق استقرار أسرنا بعض تنازل وكثير مرونة؟!


عبارات تتردّد فتهزّ صرح الحياة الزوجية.. هي تقول: كرامتي لا تسمح لي! عزّة نفسي تمنعني! لا أستطيع السكوت والتغيّر! لا أريد أن أكون ضعيفة!... لتقابلها عبارات من الزوج لا تقلّ قسوةً وسلبيةً: أنا القوّام وعليها الانصياع! يجب أن تتغيّر هي لتتلاءم مع ما أريد! هي مَن يفتعل المشاكل!... وغيرها من العبارات التي تجسّد الأفكار غير السويّة!


مَن قال إن الليونة ضعف؟! منتهى القوّة أن تتقبّل وتتكيّف وتعالج الأمور بحكمة ولين! فكلٌّ يستطيع الصراخ والتلفّظ بالكلام النابي والتعنيف والرفض والسلبيّة؛ فهذا أسهل من التعاطي بحنكةٍ وهدوءٍ وتعديل التفكير بما يتناسب مع واقع الحال واستيعاب الموقف لتكون ردّة الفِعل مناسِبة لاحتواء المشكلة والطرف الآخر!


هي إذاً مهارة يجب على كلٍّ من الزوجين العمل على اكتسابها؛ فإن العلم بالتعلّم والصبر بالتصبّر والمرونة بالتمرّن! تخيّلوا لو كانت اليد فيها أصابع ثابتة لا تتحرك! هل كان باستطاعتنا القيام بكل الأعمال الرائعة التي نقوم بها الآن بهذه السهولة والتلقائيّة؟! بل إنّ بعض الأمور سيكون من المستحيل أن ننجزها! فتبارك الله أحسن الخالقين.. خلق لنا أصابع تتحرك بليونة ومرونة لتسهيل الحياة.. فلنتفكّر في حياتنا الزوجية لتكون بنفس السهولة واليسر حين ترتكز على مفهوم المرونة في (التحرّك ضمن المتغيّرات الزوجية.. وفي حلّ المشاكل.. وفي تقبّل الاختلافات في الطرف الآخر.. وفي التعامل.. وفي العادات وطريقة الحياة.. وفي اختلاف البيئة والنفسيّة..) ليكون التركيز على الإيجابية.. وينبغي ألا تكون المرونة بشكلٍ متقطّع ومِزاجي، وإنّما بشكلٍ دائمٍ ومستمرٍ..


وهذا لا يكتمل إلا بالتواضع وخفض الجناح، والتسامح والتعالي على النفس، واستشعار نِعمة الله في هذا الزواج، والتفكّر بالهدف الأسمى في الحياة وهو رضا الله جلّ وعلا، واستحضار الآيات والأحاديث والمواقف التي تربّي المسلم على مكارم الأخلاق والتعامل الراقي في الحياة بشكل عام وفي الحياة الزوجية بشكلٍ خاص.. يكفي أن نقرأ سيرة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه لندرك قمّة الروعة في هذا الجانب.. وتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم؛ فإنّ التشبّه بالكرام فلاحُ!


وقد أظهرت دراسة أجراها المستشار الأسري الأميركي رون ديل مع الدكتور دايفيد أولسون على 50000 زوج وزوجة في stepfamilies أنّ المرونة في العلاقة الزوجية وفي موقف الفرد تجاه إدارة الأسرة كانت واحدة من خمسة أمور تنبئ بزواج سعيد..


وفي دراسة استقصائية أميركية عن نقاط القوة في الحياة الزوجيّة أُجرِيَت عام 1999 وشملت 21501 زوج (Couple) من 50 ولاية أميركية، وُجِدَ أن هناك عشر نقاط قوة في الزواج يمكن أن تميّز بين الزواج السعيد وغير السعيد بنسبة 93%، وهي حسب الترتيب: التواصل.. المرونة.. التقارب.. الشخصيّة.. حلّ المشاكل.. العلاقة الحميمة.. نشاطات الفراغ.. الأهل والأصدقاء.. الإدارة الماليّة.. والمعتقدات الروحيّة.


فاحتلّت المرونة المرتبة الثانية! وقد أوعز 78% من الأزواج السعيدين أنّهم كانوا مبدعين في التعاطي مع الاختلافات ومواجهة التحدّيات والضغوطات وإيجاد المساومات عند المشاكل..


تذكير وذكرى..


افْعَل ما يحبّ الطرف الآخر.. وتفانى في احترامه.. وتسابق إلى إسعاده.. واجعل المرونة مطيّتك إلى الاستقرار.. وحينها سيغمرك شعور عارم بالسكينة والراحة والطمأنينة يجعلك تحلّق في فضاءات الجنان وأنت ما زلت على الأرض! فلا سعادة كالعطاء.. والإرضاء!


تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)



منقول

السبت، 29 أغسطس 2015

((مسح المرأة رأسها في الوضوء))





((مسح المرأة رأسها في الوضوء))




((مسح المرأة رأسها في الوضوء))

سُئل فضيلة الشيخ بن العثيمين رحمه الله :
هل يسن للمرأة عند مسح رأسها في الوضوء
أن تبدأمن مقدم الرأس إلى مؤخره ثم ترجع إلى
مقدم الرأس كالرجل في ذلك؟


فأجاب بقوله:

نعم. لأن الأصل في الأحكام الشرعية
أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء والعكس بالعكس،
ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلى بدليل،
ولا أعلم دليلاً يخصص المرأة في هذا،
وعلى هذا فتمسح من مقدم الرأس إلى مؤخره،
وإن كان الشعر طويلاً فلن يتأثر بذلك،
لأنه ليس المعنى أن تضغط بقوة على الشعر حتى يتبلل أو يصعد إلى قمة الرأس،
إنما هو مسح بهدوء.

مجموع فتاوي ورسائل العثيمين (11/152)

منقــــول

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

ثلاثية .. العجز والكسل والوهن




ثلاثية .. العجز والكسل والوهن



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


العجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه، أما الكسل فهو انتفاء تلك الإرادة .. فأي فعل هو اجتماع الإرادة مع القدرة؛ فالإنسان إذا توافرت له الإرادة، فقد خرج من دائرة الكسل، فإذا كان عنده القدرة فقد خرج من دائرة العجز. 


وإذا أصيب المرء بالعجز والكسل؛ فاغسل يديك منه .. فالكسل يفوت علينا الفرص التي يصعب تعويضها، ويحرمنا من تحقيق ما نرغب فيه، وبالكسل تتراكم الأعمال حتى يصل المرء إلى العجز عن القيام بها، ومن بذر بذرة «ليت»، نبتت له شجرة «لعل»، يقطف فيها ثمر «الخيبة والندامة» .. قال الإمام الراغب رحمه الله: "من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى". 


ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق.

ولقد ذم الله تعالى الكسل، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: ٣٨ – ٣٩].


بل عد سبحانه الكسل من صفات المنافقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: ٧١ – ٧٢].

وعن أنس - رضي الله عنه – قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [متفق عليه].

يقول ابن القيم رحمه الله في (زاد الميعاد): "والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده فهذه تفتح عمل الخير، وأما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان، فإنه إذا عجز عما ينفعه وصار إلى الأماني الباطلة بقوله لو كان كذا وكذا، ولو فعلت كذا، يفتح عليه عمل الشيطان فإن بابه العجز والكسل، ولهذا استعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- منهما، وهما مفتاح كل شر ويصدر عنهما الهم، والحزن، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال، فمصدرها كلها عن العجز والكسل وعنوانها (لو) فلذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم، فإن التمني رأس أموال المفاليس، والعجز مفتاح كل شر.

وأصل المعاصي كلها العجز، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي، وتحول بينه وبينها، فيقع في المعاصي، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته –صلى الله عليه وسلم- أصول الشر وفروعه ومباديه وغاياته وموارده ومصادره، وهو مشتمل على ثماني خصال كل خصلتين منها قرينتان، فقال «أعوذ بك من الهم والحزن» وهما قرينان، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين: فإنه إما أن يكون سببه أمرا ماضيا، فهو يحدث (الحزن)، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل فهو يحدث (الهم)، وكلاهما من العجز، فإن ما مضى لا يدفع بالحزن، بل بالرضا والحمد والصبر والإيمان بالقدر وقول العبد قدر الله وما شاء فعل.

وما يستقبل لا يدفع أيضا بالهم، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه فلا يعجز عنه، وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع منه ويلبس له لباسه ويأخذ له عدته ويتأهب له أهبته اللائقة به ويستجن بجنة حصينة من التوحيد والتوكل والانطراح بين يدي الرب تعالى، والاستسلام له والرضا به ربا في كل شيء، ولا يرضى به ربا فيما يحب دون ما يكره، فإذا كان هكذا لم يرض به ربا على الإطلاق، فلا يرضاه الرب له عبدا على الإطلاق، فالهم والحزن لا ينفعان العبد البتة بل مضرتهما أكثر من منفعتهما، فإنهما يضعفان العزم ويوهنان القلب ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه ويقطعان عليه طريق السير أو ينكسانه إلى وراء أو يعوقانه ويقفانه أو يحجبانه عن العلم الذي كلما رآه شمر إليه وجد في سيره فهما حمل ثقيل على ظهر السائر". 



الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

مكائد الشيطان





مكائد الشيطان


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
«فإن الله سبحانه وتعالى ابتلى الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين، وصاحب لا ينام ولا يغفل عنه، يراه هو وقبيله من حيث لا يراه، يبذل جهده في معاداته في كل حال، ولا يدع أمرًا يكيده به يقدر على إيصاله إليه إلا أوصله إليه، ذلكم الشيطان الذي أخبرنا الله بعداوته لنا، وأكثر في كتابه من ذكر خدعه ومكائده وخطواته التي يستدرج بها الناس للخروج عن الصراط المستقيم وكرر قصته مع أبينا آدم - عليه السلام - لتكون نصب أعيننا دائمًا»[1]. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].


قال البغوي- رحمه الله -: «أي: لا تسلكوا الطُّرُقَ التي يدعوكم إليها الشيطان، فإنه يُورِدُكُم موارِدَ العَطَبِ»[2].

ومن شره أن
ه يوسوس للعبد، قال تعالى:﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: 1 - 6]. فذكر وسوسته أولًا ثم ذكر محلها ثانيًا وأنها في صدور الناس.



والوسوسة أظهر صفات الشيطان، وأشدها شرًا، وأقواها تأثيرًا، وهي أصل كل معصية وبلاء، روى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً[3] أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ»[4].


ولهذا يعرض للناس في صلاتهم ليفسد عليهم عبادتهم، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى؟»[5].


ومن شرِّهِ الإفساد بين المؤمنين بكل طريقة وحيلة، فقد نزغ بين يوسف - عليه السلام - وإخوته، قال تعالى ذاكرًا اعتراف نبي الله يوسف بما مَنَّ الله عليه: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 100].


روى مسلم في صحيحه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»[6]. قال النووي: وهذا الحديث من معجزات النبوة، ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتنة ونحوها[7].


روى مسلم في صحيحه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»[8].


والتحصن من الشيطان له طرق منها:
أولًا: الإخلاص: لما علم إبليس أنه لا سبيل على أهل الإخلاص استثناهم من شرطته التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83]. وقال تعالى في حق الصِّدِّيق يوسف: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]. فالإخلاص هو سبيل الخلاص من الشيطان، وأهل الإخلاص أعمالهم كلها لله وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله ومنعهم لله وحبهم لله وبغضهم لله.



قال شيخ الإسلام- رحمه الله -: «فالله تعالى يبتلي عبده المؤمن ليطهره من الذنوب والمعايب، ومن رحمته بعبده المخلص أن يصرف عنه ما يغار عليه منه، كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]»[9].«فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا»[10]، «فلما أخلص يوسف - عليه السلام - لربه، صرف عنه دواعي السوء والفحشاء، فالإخلاص هو سبيل الخلاص»[11].


ثانيًا: قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، روى أبو داود في سننه من حديث أبي قتادة- رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلى ِأَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وَهُمَا يُصَلِّيَانِ اللَّيلَ.. وجاء في آخر الحديث: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ النَّبِيُ- صلى الله عليه وسلم - عَنْ سَبَبِ رَفعِ صَوتِهِ بِالقُرْآنِ، فَقَالَ: أُوقِظُ الْوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ[12].


ثالثًا: قراءة سورة البقرة: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»[13].


رابعًا: قراءة آية الكرسي عند النوم: روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - قصة قبضه على الشيطان.. وفي آخر الحديث علَّمه أن يقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فلما أخبر أبو هريرة النبي- صلى الله عليه وسلم - بذلك قال: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»[14].


خامسًا: قراءة المعوذتين: روى أبو داود في سننه من حديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمره بقراءة المعوذتين وقال له: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا»[15].


ومن المواضع التي ثبت في السنة أنها تُقرأ فيها: حين يصبح المؤمن، وحين يُمسي، وعند النوم، وأدبار الصلوات، والرقية بهما على المسحورين، والمرضى وغير ذلك.


سادسًا: التهليل مائة مرة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ»[16].


سابعًا: التسمية عند الخروج من البيت، وعند الجماع، وعند الدخول إلى الخلاء، وعند الطعام: روى مسلم في صحيحه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ»[17][18].


ثامنًا: وهو من أهمها معرفة تفاصيل عداوته وطرق خداعه التي جاء بيانها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاستعانة في ذلك بكتب أهل العلم الشارحة لهذه الأمور، ومنها: كتاب ابن القيم إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، وكتاب ابن الجوزي المسمى تلبيس ابليس.. وغيرها.



والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



             



[1] الداء والدواء لابن القيم (148-149) بتصرف.

[2] شرح السنة للبغوي - رحمه الله - (14/404).
[3] حممه؛ أي: فحمًا.
[4] برقم 5112 وصححه الألباني في سنن أبي داود (3/962) برقم 4264.
[5] برقم 608 وصحيح مسلم برقم 389.
[6] برقم 2812.
[7] صحيح مسلم بشرح النووي (60/156).
[8] برقم 2813.
[9] الاستقانة لابن تيمية ج2 ص59.
[10] إغاثة اللهفان ج2 ص141.
[11] مفتاح دار السعادة (1/75).
[12] برقم 1329 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/246-247) برقم 1180.
[13] برقم 780.
[14] برقم 2311.
[15] برقم 1463 وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح سنن أبي داود (1/275) برقم 1299.
[16] برقم 3293 وصحيح مسلم برقم 2691.
[17] برقم 2018.

[18] انظر كتاب أخينا الشيخ عبدالهادي وهبي الحصن الحصين من الشيطان الرجيم.



الدكتور أمين بن عبد الله الشقاوي

الجمعة، 21 أغسطس 2015

ما أكثر العبر وأقل المعتبرين



ما أكثر العبر وأقل المعتبرين



عباد الله، أين التفكر؟ أين الاعتبار؟ أين السير في الأرض كما أمرنا الله؟ وأين النظر في السماء؟ وأين التأمل في النعم؟ وأين، وأين؟ في مصائر الأمم الغابرة وأخبارهم، وإن ذلك -والله- يبعث على التوبة؛ لأنك إذا اعتبرت بنزول العذاب وما كان فيه:  ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) سورة غافر:84-85، 


لا توجد قرية في العالم إلا سيهلكها الله قبل اليوم القيامة:( وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) سورة الإسراء:58، وبناء عليه - يا عباد الله- فإن ما يكون الآن في العالم عند الأمم المكذبة الخارجة عن الوحي فيه عذاب شديد سيأتيهم، فلذلك لا يغتر المغتر بما عندهم من الدنيا، ولا يقلدهم المقلدون، والله لو عرف شباب قومي ما يعذب الله به أولئك الذين خرجوا عن شرعه ما تشبهوا بهم، ولا ساروا على منوالهم، ولا أعجبوا بهم، بل إذا رأوا ما فيها من الكفر والفسوق خافوا نزول عذاب الله:  ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا ) سورة الإسراء:16.



وعندما نرى في المقابل في بعض بلاد المسلمين اليوم ما يحدث فيها من الجرائم فإنك تتأمل في مثل قوله تعالى:  ( جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا ) سورة الأنعام:123، فهم يمكرون فيها، وعندما تتأمل ما يحدث من التدافع، سنة المدافعة بين الكفار والمسلمين، والمشركين والموحدين، وأهل السنة وأهل البدعة، عندما تتأمل يخرج معك من قوله تعالى: ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) سورة البقرة:251، (  لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ) سورة الحـج:40، 


سيخرج معك من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله، لما تتأمل في قوله:    ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ )  سورة الحـج:41، تعرف كيف يؤتى البلد الأمان من الله عز وجل.


عندما نتأمل في نهاية الطغاة المتجبرين كما حصل لفرعون لعنه الله:(  فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى  ) سورة النازعات:20-26، 



وهذا نهاية كل من ظلم، وتعدى وجار، ما راعى الأهل ولا الجار، فبينما هو يعقد عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار، ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن، لو رأيته وقد أحلت به المحن، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار، سال في اللحد صديده، وبلي في القبر جديده، وهجره نسيبه ووديده، وتفرق حشمه وعبيده والأنصار.







 



الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد
ما أكثر العبر وأقل المعتبرين



 



منقول


 



الأربعاء، 19 أغسطس 2015

شوفوني اعتمرت!!





شوفوني اعتمرت!!

د.أميرة الزهراني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

يبدو أن المسألة تجاوزت حد المباهاة بالسفر والمطاعم والاستراحات وجَمعة الأحبة والموائد... إلى شأن آخر خطير.. أخطر مما نتخيل بكثير؛ شأن العبادات وفساد الإخلاص!!

ماذا يعني أن يرسل عضو في قروب الواتس برسالة على النحو التالي: «أبشركم انتهيت من الختمة الثالثة ولله الحمد».
ويرسل ثاني في كل ليلة «الوتر الوتر حبايبي.. لا تنسوه»!!! ...
ويبعث ثالث بصورة له وهو منهمكاً في توزيع الماء على عاملي النظافة في حر القيظ!! 

ورابع يضع بروفايل صورته واقفاً في الروضة الخضراء رافعاً كفيه مبتهلاً!!
وخامس يأتي بصورة بئر الماء الذي تكفل بقيمة حفره كوقف خيري لوالده في إحدى الأقليات الفقيرة مصحوبة بعبارة «يا رب تقبل مني»!!!!
وسادس يكتب لأعضاء القروب في هجيع الليل «يا الله!! ركعتين أديتها قبل قليل تساوي عندي الدنيا وما فيها»!!
وسابعة تصور مكان المصلّى الذي أعدته للصلاة وللقيام في رمضان وتبعثه لقروب الأهل والزميلات!!

هل تأملتَ حال المعتمرين والحجاج اليوم!! إنك بالكاد تستطيع الطواف أو الاستمرار في السعي!! تصطدم كثيراً بالمنهمكين بالتصوير في أوضاع مختلفة محذرين من المرور حتى لا تحيل بينهم وبين من يلتقط لهم الصورة فتفسد عليهم المشهد الروحاني المتقن!!..
وآخرون مغرمون بالسيلفي وهم يقبِّلون الحجر، ويطوفون ويهرولون.. ويشربون زمزم.. ويقفون عند مقام إبراهيم!!
في قدرة تمثيلية مبدعة على تجسيد دور الخاشع المنهمك في الطاعة!!!
يكذب على نفسه، قبل الناس، من يدَّعي بأنه إنما فعل ذلك من أجل تشجيع الآخرين لفعل الخير والصلاح!! الناس هنا، بالذات، لا تجهل طريق الخير ولا مسالك الصلاح!! الله وحده أعلم بالنيات.. وأعلم بالأعمال الخالصة المقصودة لوجهه الكريم وحده لا شريك له. تجري في الخفاء الشديد من عباده المتقين لا يعلمها إلا هو، لأنها له عز وجل وحده، وليس لكي يقال إن فلاناً تقي، أو ورع، أو بار بوالديه أو يقوم الليل..!!

ماذا بقي لنا في الحياة إن ضاعت منّا علاقتنا بربنا ودخلها بتسلل خفي «الرياء» الذي تعاظم وتوقد واشتعل على نحو مخيف ومريع بفعل الجوالات الذكية وقنوات التواصل الاجتماعي!! فأفسد طاعاتنا وصلاتنا وصدقاتنا وحقق الله لنا ما نوينا فامتدحنا الناس!!!

«الرياء» الذي ما تخيلنا أبداً قدرته الرهيبة على إفساد العبادات، ومهارته في تلويث نية الطاعة لله بالمباهاة. تأمل الصورة المتناهية الدقة في براعة وصف تسلله في دهاء إلى قلوب الناس: «أخفى من دبيب نملة سوداء على صفاة سوداء في ظلمة ليل»!!! لذلك حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أشد ما يخشاه على أمته: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ، اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً».









الاثنين، 17 أغسطس 2015

ما حكم نظر المرأة للرجال وخاصة في التلفاز?





ما حكم نظر المرأة للرجال وخاصة في التلفاز?
 
 
الحمدلله.

في المسألة تفصيل:

إذا كان النظر لشهوة وريبة مُنعت منه المرأة بل يحرم عليها ، وأُمِـرت بغضِّ بصرها ، لقوله تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فغض البصر سبب وسبيل لحفظ الفرج .

وأما إذا كان مُجرّد نظر من غير ريبة ولا شهوة ، فإنه لا يحرم ، ولكن لا يجوز للمرأة أن تتمادى فيه خشية أن يجرّ إلى محذور . ويدلّ على هذا فعله صلى الله عليه على آله وسلم وإقراره . روى البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ""رأيتُ النبَّي صلى الله عليه على آله وسلم يُسترني بِرِدِائِه ، وأنا أنظر إلى الحبشةَ يلعبون في المسجد حتى أكونَ أنا الذي أسأم ، فاقدروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السنِّ الحريصةِ على اللهو" .

وبوّب عليه الإمام البخاري - رحمه الله - بـ : باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة . وقالت عائشة - رضي الله عنها - : وكان يومَ عيدٍ يلعبُ السودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ ، فإما سألت النبي صلى الله عليه على آله وسلم وإما قال"" : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خـدِّي على خَـدِّهِ ، وهو يقول : دونكم يا بني أرْفِدَة . حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم ..قال : فاذهبي" متفق عليه . وفي رواية قال لها :"" أتحبِّين أن تنظري إليهم ؟ رواه النسائي في الكبرى" ، وقال ابن حجر : إسناده صحيح



. قال الإمام النووي : وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي ، فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق ، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا . انتهى .. ولو كانت المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى الرجال بحال ما مكّن النبي صلى الله عليه على آله وسلم عائشة من ذلك ، أو كان يُنبِّـه على ذلك . بخلاف الرجل فإنه لا يجوز له أن ينظر إلى المرأة الأجنبية عنه ، من أجل ذلك أمر الله نساء المؤمنين بالحجاب
. وأمر الله المؤمنين بغضِّ أبصارهم وأمر النبي صلى الله عليه على آله وسلم بعدم إتباع النظرة النظرة ، فقال لعليّ - رضي الله عنه - :"" يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة ." رواه أحمد وأبو داود . ولما سُئل عن نظر الفجاءة قال"" لمن سأله : اصرف بصرك ". كما في صحيح مسلم .




منقـــول

الأحد، 16 أغسطس 2015

بواعث ودوافع الغيبة












بواعث ودوافع الغيبة
على الإنسان منَّا أن يبحث عن بواعث ودوافع الغِيبة، ويعمل على قطع أسبابها.



وبواعث ودوافع الغِيبةكثيرة، منها:
1- الحقد وإشفاء الغيظ، وإنفاذ الغضب:
فإذا غضب الإنسان فإنه يتشفَّى بذكر مساوئ الغير إن لم يكن ثَمَّ دين يردعه، وربما لم يقدر على إنفاذ غضبه، فيحتقن الغضب في الباطن فيصير حقدًا، فتقع بسببه الغِيبة، وعلاج ذلك: هو كظم الغيظ عند الغضب، وعليه أن يعفو ويصفح؛ رجاء أن يدخل تحت قوله تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ[النور: 22]، ويتذكر قوله تعالى:( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [آل عمران: 134].


وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن كتم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور العين، يُزوجه منها ما يشاء))؛ (رواه الترمذي وأبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنهما، وهو في صحيح الجامع: 6518).



2- عدم مجاملة الجلساء فيما يُغضب الرحمن:
فترى البعض ربما يوافق أقرانه، ويجامل رفقاءه، ويشارك جلساءه الغِيبة، ويرى أنه لو أنكر عليهم، أو قطع المجلس، استثقلوه ونفروا عنه، ويحسب أن ذلك من حسن المعاشرة، وهذا خطأ كبير، وذنب عظيم، وعلاج ذلك: أن يسعى دائمًا لرضا الله حتى لو كان بسخط الناس.



فقد أخرج ابن حبان في "صحيحه" من حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومَن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)).(1)


وفي رواية: ((مَن أرضى الله بسخط الناس، كفاه الله الناس، ومَن أسخط الله برضا الناس، وكَلَه الله إلى الناس))؛ (السلسلة الصحيحة: 2311).


فعلى الإنسان أن يردَّ غيبة أخيه المسلم، فإن لم يستطع فعليه القيام من هذا المجلس؛ امتثالاً لقوله تعالى: ( فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )[النساء: 140].


3- الحسد:
فتجده يحسد مَن يُثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه، فيريد زوال تلك النعمة عنه، فلا يجد سبيلاً لذلك إلا بالقدح فيه، وهذا هو الحسد، وهو بخلاف الغضب؛ لأن الغضب يكون على مَن وقعت منه جناية، لكن الحسد قد تكون مع الصديق والحبيب والرفيق.


وعلاجه: أن يتذَكَّر أن الحسد من أخلاق اللئام، يتنزه عنه الكرام، وقد جاء في "سنن النسائي" بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد))؛ (حسنه الألباني في صحيح النسائي: 2912).


وعليه أن يعلم أن الحسد يجعل صاحبه دائمًا في همٍّ وغمٍّ؛ حيث إنه لا يرضى بما قسمه الله له، ويرى من هو أفضل منه في المال أو الصورة أو الأخلاق، فيركبه الهمُّ والغمُّ، وعليه أن يعلم - أيضًا - أن الحسد سوء أدب مع الله، واعتراض على قضائه، وعلاج هذا: أن يسلِّم ويرضى ويمسك عن الحسد والغِيبة، وليعلم أنه إذا تخلَّص من الحسد، والبغي، والغل، فهو من أفضل الناس.


فقد أخرج ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أفضل؟ قال: ((كل مَخْموم القلب، صدوق اللسان))، قالوا: (صدوق اللسان) نعرفه، فما (مخموم القلب)؟ قال: ((هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد))؛ (الصحيحة: 948).(2)



4- تزكية النفس:
فتراه يمدح نفسه ويزكيها عند الناس، وذلك عن طريق تنقيص غيره، وهذا النوع من أقبح أنواع الغِيبة، كأن يُذْكَر إنسانٌ عنده، فيقول: "نعوذ بالله من قلة الحياء، أو نسأل الله العافية، أو يقول: ساءني ما وقع لصديقنا من كذا وكذا، أو يقول: كان مجتهدًا في العبادة، والعلم، والنزاهة، والأمانة، لكنه فتر وابتُلي، أو فهمه ركيك، أو جاهل، أو يعمل للدنيا..."، فهو بذلك يجمع بين ذم المذكور، ومدح نفسه.


وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان: "ذلك المسكين قد بُلِيَ بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه"، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده، وكم ترى من رجل مُتورِّع عن الفواحش والظلم، ولكن لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي بما يقول، وعلاج ذلك: أن يتذكر قول رب العالمين، حيث قال في كتابه الكريم: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) [النساء: 49].


وقوله تعالى: ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) [النجم: 32].
ويتذكر الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بحسْب امرِئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)).(3)


ويعلم أن ما دفعه إلى ذلك العُجبُ والغرور، وهما من المهلكات؛ فقد أخرج البزار من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لو لم تكونوا تذنبون، لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك: العُجْب العُجْب)).(4)



5- المزاح:
فيذكر عيوب الناس، أو يحاكي أفعالهم؛ ليُضْحِك جلساءه عليهم، قـال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: "وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح؛ لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء"؛ اهـ (بهجة المجالس: 2/ 569).



6- الفراغ:
وما ينشأ عنه من وحشة وسآمة وملل، فيستهلك وقته بالغِيبة وتتبع عورات الناس، وعلاجه: كما قال الحسن البصري رحمه الله: "نفسك إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل".


7- التنافس على الدنيا:
فيذم زملاءه لدى المسؤولين؛ ليرتفع في نظرهم، أو يترقَّى إلى منصب أعلى، وهذا الرجل متسلِّقٍ يركب على أكتاف الآخرين؛ ليصل إلى مرتبة أعلى، أو زيادة في الدخل، وعلاج هذا: أنه لا بد أن يتعلَّم أن رزقه مقسوم مكتوب في اللوح المحفوظ، لا يزيد فيه ولا ينقص منه.


وقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجَلَها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأَجْمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ (صحيح الجامع: 2085).


وهناك جملة من أسباب وبواعث الغِيبة، ومنها:
أ)أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه عليه، أو يقبح حاله عند محتشم، أو يشهد عليه بشهادة، فيبادر هو بالقدح في هذا الإنسان ويطعن
فيه؛ ليسقط أثر شهادته.


ب)ومن دواعي وبواعث الغِيبة أن ينسب إليه شيء، فيريد أن يبرِّئ نفسه منه، فيذكر الذي فعله، وكان عليه أن يبرئ نفسه دون أن يذكر الذي فعل هذا الشيء، أو يذكر غيره بأنه كان مشاركًا له في الفعل؛ ليمهد بذلك عُذر نفسه في فعله.


وهناك نوع من أنواع الغِيبةدقيق وغامض، حيث يخوض في إنسان ويظن أنه يُحسن صنعًا، وأن ما يقوله هو من جملة ما يُتقرَّب به إلى الله، ويُزين له الشيطان ذلك، ومثاله


أأنه يقول مُتعجِّبًا من فعل شخص قد أخطأ: ما أعجب ما رأيت من فلان (يذكره باسمه)، وهذا خطأ، فإنه قد يكون صادقًا فيما أنكر به عليه، لكن كان عليه أن يتعجَّب من الفعل ولا يذكر اسمًا؛ لأنه بذكر اسمه صار مغتابًا، وأَثِمَ من حيث لا يدري.
ومن ذلك قول الرجل: تعجَّبت من فلان، كيف يحب فلانة وهي قبيحة؟! وكيف يجلس بين يدي فلان وهو جاهل؟... وهكذا.
ب)  وكذلك تراه يغتمُّ بسبب ما يبتلى به إنسان، فيقول: "مسكين فلان، قد غمَّني أمره وما ابتُلي به"، فيكون صادقًا في دعوى الاغتمام، ويلهيه الفهم عن الحذر من ذكر اسمه، فيذكره فيصير به مغتابًا، فالتَّرحُّم والاغتمام ممكن دون ذكر اسمه، لكن استثاره الشيطان على ذكر اسمه؛ ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه.
جـأو أنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه أو سمعه، فيظهر غضبه ويذكر اسمه، وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستر اسمه فلا يذكره بالسوء.
فليس التعجُّب والرحمة والغضب عذرًا في ذكر الاسم؛ لأن المقصود يتم دون ذكر الاسم.
دأو تدفعه الحزبية والعصبية الجاهلية إلى أن يقع في بعض الجماعات العاملة في ساحة الدعوة، فتقع منه الغِيبة أو النميمة بقصد مصلحة الدعوة، وتصوير الخوض في أعراض المخالفين على أنه عبادة يتقرَّب بها إلى الله عز وجل.
فهذه الأسباب الباعثة على الغِيبة والداعية إليه لا بد للإنسان أن يقطع دوافعها، ويجتهد في طلب العلم، وفعل الخيرات؛ فهذا سبيل لزيادة الإيمان، وهذا بدوره يؤدِّي إلى فطم اللسان عن الغِيبة وغيرها من آفات اللسان




منقول بتصرف
الآلوكة

*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
(1)الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 2250 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره.
(2) الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 2889 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
(3) الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2564 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
(4) الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 5303 | خلاصة حكم المحدث : حسن