الأحد، 31 يوليو 2016

صفة مسح الرأس في الوضوء



صفة مسح الرأس في الوضوء

 

أولاً : 

كيفية الغسل أو المسح في الوضوء ليست واجبة ، فالواجب هو حصول الغسل بالنسبة للأعضاء المغسولة ، وحصول المسح للأعضاء الممسوحة ، بأي كيفية كانت ، لكن لا شك أن اتباع الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل .

انظر : "المغني" (1/171) .

ثانياً : 

ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين : 

الأولى : 

أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس ثم يمسح رأسه حتى قفاه ، ثم يعود بيديه إلى مقدم رأسه .
وقد ذكر النووي رحمه الله في "شرح مسلم" اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية .
وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري (185) ومسلم (235) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ( . . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ) .
وروى أبو داود (124) أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى أبو داود (122) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذه الصفة تناسب من كان شعره قصيراً ، لا ينتفش بعود يديه إلى مقدم رأسه .

الصفة الثانية : 

يمسح جميع رأسه ، ولكن باتجاه الشعر ، بحيث لا يغير الشعر عن هيئته .
وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلاً – رجلاً كان أو امرأة- بحيث يخشى انتفاشه بعود يديه .
روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا ، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ . حسنه الألباني في صحيح أبي داود .

( مِنْ قَرْن الشَّعْر ) :
المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس ، أي : يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ .
( كُلّ نَاحِيَة ) : أَيْ فِي كُلّ نَاحِيَة بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع الرَّأْس عَرْضًا وَطُولا .
( لِمُنْصَبِّ الشَّعْر ) : الْمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ أَسْفَلَ الرَّأْس .
قَالَ الْعِرَاقِيّ : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا . اِنْتَهَى .
( لا يُحَرِّك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته ) : الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا .
قَالَ اِبْن رَسْلَان : وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّة مَخْصُوصَة بِمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل , إِذْ لَوْ رَدَّ يَده عَلَيْهِ لِيَصِل الْمَاء إِلَى أُصُوله يَنْتَفِش وَيَتَضَرَّر صَاحِبه بِانْتِفَاشِهِ وَانْتِشَار بَعْضه .
وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ تَمْسَح الْمَرْأَة وَمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل كَشَعْرِهَا ؟ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ مَسَحَ كَمَا رُوِيَ عَنْ الرُّبَيِّع ، وَذَكَرَ الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا ، وَوَضَعَ يَده عَلَى وَسَط رَأْسه ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمه ، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ (يعني وضعها على وسط رأسه) ثُمَّ جَرّهَا إِلَى مُؤَخَّره .

ويحتمل أن يكون المراد بالقرن هنا مُقَدَّم الرَّأْس , أَيْ : اِبْتَدَأَ الْمَسْح مِنْ مُقَدَّم رَأْسه مُسْتَوْعِبًا جَمِيع جَوَانِبه إِلَى مُنْصَبّ شَعْره وَهُوَ مُؤَخَّر رَأْسه ، أي مسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى مؤخره ، ولا يعود بيديه مرة أخرى ، لأنه بذلك لا يحرك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته ، وَقَدْ قَالَت الرُّبَيِّعِ رضي الله عنها : لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ .

انظر : "عون المعبود شرح سنن أبي داود" ، "نيل الأوطار" (1/189) ، "المغني" (1/178) .

والحاصل أن هذه الصفة يفعلها من يخشى انتفاش شعره ، فيمسح شعره إلى الجهة التي ينحدر إليها حتى لا يتغير عن هيئته .

والله تعالى أعلم .

 

المصدر 

الإسلام سؤال وجواب

السبت، 23 يوليو 2016

فــضــل الــذكــر




❈ فــضــل الــذكــر ❈
 


‏❃ ‏قال ﷻ :﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغفِرُونَ﴾.
‏وقال ﷻ:﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾.
‏أحرق الذنوب بالإستغفار..!

‏❃ ‏قال الله ﷻ:﴿فَاذكُرُونِي أَذْكُرْكُم﴾.
‏وقال الله ﷻ:﴿ يٰأَيُّهاالَّذِينءَامنُواْ ٱذكُرُوا اللَّهَ ذِكراً كَثيراً، وسبِّحُوه بُكرةً وأصِيلاً﴾.

‏❃ ‏قال الله ﷻ:﴿وَالذاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيم﴾.
‏بِقُلوبهم وألسِنَتهمْ .. وَجوارحِهم.

‏❃ ‏قال الله ﷻ :﴿فويلٌ للقٰسية قلوبهم من ذكر الله أُولئك في ضلال مبين*﴾.
‏أي: الذين لا يذكرون الله، وكل من ترك ذكر الله فقد قسا قلبه. ‏❃
‏‏*أي: بين.

❃ ‏قال الإمام مجاهد بن جبر رحمه الله :
‏لا يَكُون العَبد من الذَّاكرين كثيراً، حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً [ ‏تفسير البغوي ].

❃ ‏قال ابن الصلاح رحمه الله:
‏من حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأذكار بعد الصلوات، وأذكار النوم، عُدّ من الذاكرين الله كثيراً.

‏❃ ‏قال الله ﷻ: ﴿ولا يذكرون الله إلا قليلا﴾.
‏ومن يُلهمه الله التسبيح والذكر برئ من النفاق.
‏فكثرة الذكر علامة الإيمان، وقلة الذكر علامة النفاق.

[ الشيخ عبدالعزيز الخضير - حفظه الله ]
 
قناة الشيخ على تليجرام

الخميس، 21 يوليو 2016

بَاب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ




المجلس الواحد والعشرون
من شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري
بَاب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ
13 شوال 1437 هـ



6070 :-قال الإمام البخاري في صحيحه ( حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ يُقَالُ حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ  ) .


شرح الحديث


قَوْلُهُ بَابُ ذَهَابِ الصَّالِحِينَ :- أَيْ مَوْتُهُمْ .
قَوْلُهُ وَيُقَالُ الذَّهَابُ الْمَطَرُ :-  ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ وَمُرَادُهُ أَنَّ لَفْظَ الذَّهَابِ مُشْتَرَكٌ عَلَى الْمُضِيِّ وَعَلَى الْمَطَرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الذَّهَابُ الْأَمْطَارُ اللَّيِّنَةُ وَهُوَ جَمْعُ ذِهْبَةٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ
قَوْلُهُ يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ " يُقْبَضُ " بَدَلَ يَذْهَبُ وَالْمُرَادُ قَبْضُ أَرْوَاحِهِمْ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنْ بَيَانٍ : يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أَسْلَافًا وَيُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ لِلْأُولَى .
قَوْلُهُ وَيَبْقَى حُثَالَةٌ أَوْ حُفَالَةٌ هُوَ شَكٌّ هَلْ هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْحَالَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ " حُثَالَةٌ " بِالْمُثَلَّثَةِ جَزْمًا.

قَوْلُهُ كَحُثَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ " كَحُثَالَةِ [ ص: 257 ] الشَّعِيرِ " فَقَطْ وَفِي رِوَايَةٍ " حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مِثْلُ حُثَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ " زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْبُخَارِيُّ حُثَالَةٌ وَحُفَالَةٌ يَعْنِي أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحُثَالَةُ بِالْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَقِيلَ آخِرُ مَا يَبْقَى مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَأَرْدَؤُهُ وَقَالَ ابْنُ التِّينِ : الْحُثَالَةُ سَقَطُ النَّاسِ وَأَصْلُهَا مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ قُشُورِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : مَا يَسْقُطُ مِنَ الشَّعِيرِ عِنْدَ الْغَرْبَلَةِ وَيَبْقَى مِنَ التَّمْرِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَوَجَدْتُ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَةِ الْفَزَارِيَّةِ امْرَأَةِ عُمَرَ بِلَفْظِ تَذْهَبُونَ الْخَيِّرُ فَالْخَيِّرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا حُثَالَةٌ كَحُثَالَةِ التَّمْرِ يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ(1) الْمَعْزِ أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ فِي " تَارِيخِ مِصْرَ " وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِرَفْعِهِ لَكِنْ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.



قَوْلُهُ لَا يُبَالِيهِمُ(2) اللَّهُ بَالَةً ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَيْ لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا يُقَالُ بَالَيْتُ بِفُلَانٍ وَمَا بَالَيْتُ بِهِ مُبَالَاةً وَبَالِيَةً وَبَالَةً.
 قُلْتُ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ بَيَانٍ بِلَفْظِ " لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا " وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ " لَا يُبَالِي اللَّهُ عَنْهُمْ " وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ وَ " عَنْ " هُنَا بِمَعْنَى الْبَاءِ يُقَالُ مَا بَالَيْتُ بِهِ وَمَا بَالَيْتُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يَعْبَأُ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَهْمُوزٌ أَيْ لَا يُبَالِي وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِبْءِ بِالْكَسْرِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الثِّقَلُ فَكَأَنَّ مَعْنَى لَا يَعْبَأُ بِهِ أَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَهُ وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْفَزَارِيَّةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا " عَلَى أُولَئِكَ تَقُومُ السَّاعَةُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَوْتَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ . وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ انْقِرَاضُ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الشَّرِّ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الْأَرْضِ مِنْ عَالِمٍ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ صِرْفًا وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الْفِتَنِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -

( تَنْبِيه ) : وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ أَيْ أَنَّهَا رُوِيَتْ بِالْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ



شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله


هذا كما سبق في حديث (خيرُ الناسِ قَرْنِي ، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم). فالصالحون يذهبون الأول فالأول ويبقى حثالة كحثالة الشعير ، لا يباليهم الله باله ، أي لا يبالي أن يعاقبهم ويعذبهم لأنهم ليسوا أهلاً أن يعتني الله بهم.
والحديث عام ، مثل قوله خيرُ الناسِ قَرْنِي ، ولو نظرنا لعدد المسلمين اليوم لوجدناهم تقريباً ألف مليون ، وما نسبه الصالحين فيهم ؟ لا شيء فلو نظرنا للعموم لوجدنا أن الموجودين الآن حثالة ، حتى الموجودين المتمسكين بالإسلام هل يعني مطبقين الإسلام من كل وجه ؟ كلا ، لا بالنسبة لحكمهم ، ولا لشعوبهم ، لكن يختلف الناس ، فبعضهم يطبق الأكثر وبعضهم لا يطبق إلا الأقل وبعضهم النصف ، يختلفون ، أما أن تجد أمة الآن مطبقة لأحكام الإسلام مائة في المائة في الشعوب والحكام ما تجد هذا.
س: قوله: (لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً) هل يختلف المعنى إذا كانت التاء المربوطة في كلمة ( باله ) مضاف للضمير أي تقرأ ( هاء ) ؟
ج: نعم ، يختلف بلا شك فلو قلت بال صارت بال الله ، أما ( باله ) معناها مبالاه ، أي لا يبالي بهم ، فالبال ، الحال أو الشأن ، ولا نقول لله بال ولكن نقول الله لا يبالي بهؤلاء مثلاً.



ذهاب الصالحين من أشراط الساعة



فإذا كانت حاجة الأمم إليهم وتعلّقها بهم لا تُقدّر بثمن، فكيف الحال إذا كان تناقصُ أعدادِهم واختفاءُ آثارهم هو علمٌ من أعلام الساعة وأشراطها؟

ذلك هو ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحابته تصريحاً وتلميحاً في غيرما مناسبة ، وكان من جملة إخباراته النبويّة ما جاء في حديث مرداس الأسلمي رضي الله عنه مرفوعاً: (يذهب الصالحون الأول فالأول, وتبقى حُفالة, كحفالة الشعير والتمر, لا يباليهم الله بالةً) وفي رواية: (لا يعبأ الله بهم) كلاهما في البخاري .
ومعنى "حُفالة": ما يسقط من قشر الشعير عند الغربلة، ومن التمر بعد الأكل، وقد جاء في رواية أخرى بلفظ "حثالة"، وهي بذات المعنى، وأما معنى "لا يباليهم الله بالةً": لا يرفع لهم قدر ولا يقيم لهم وزناً.
فهذا الحديث يشير صراحةً إلى أن موت الصالحين وتناقص أعدادهم هو من أشراط الساعة، وأن ذهابهم يكون شيئاً فشيئاً وليس مرّةً واحدة، كما أن في الحديث السابق ترغيبٌ في الاقتداء بالصالحين، والتحذير من مخالفة طريقهم، خشية أن يكون من خالفهم ممن لا يباليه الله ولا يعبأ به، كما ذكر ذلك شرّاح الحديث.
وقريبٌ من الحديث السابق ما جاء في سنن ابن ماجة، ومسند الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لتُنتَقَوُنَّ كما يُنتَقى التَّمرُ من أغفالِهِ فلَيذهَبنَّ خيارُكُم وليَبقينَّ شرارُكُم .(3)

وعنه رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنَّكم في زمانٍ من ترَك منكم عشرَ ما أمرَ بِه هلَك ثمَّ يأتي زمانٌ من عملَ منكم بعشرِ ما أمرَ بِه نجا (4)
إن الحديث السابق يُسفِر عن ذات الحقيقة، وهو أن صلاح المجتمعات آخذٌ بالتناقص مع مرور الوقت،كما يشير إلى النسبية والتفاوت في مستوى الصلاح بين الأجيال الأولى في الإسلام والأجيال اللاحقة على وجه العموم، وقد فُسّر الحديث بأن العُشر المأمور به إنما المقصود به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي الرعيل الأوّل وفي فجر الإسلام كان الدين عزيزاً، وفي أنصاره كثرةً، فلا عُذر في التهاون في هذه الشعيرة العظيمة، ولكن حين يضعف الإسلام، وتكثر الظلمة، ويعم الفسق، ويكثر الدجالون، وتقل أنصار الدين، ويتوارى الحق فيعذر المسلمون فيما تركوه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعدم القدرة، والله سبحانه وتعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
قال القاري رحمه الله في شرحه :
" (هَلَكَ) : لِأَنَّ الدِّينَ عَزِيزٌ وَالْحَقُّ ظَاهِرٌ ، وَفِي أَنْصَارِهِ كَثْرَةٌ فَالتَّرْكُ يَكُونُ تَقْصِيرًا مِنْكُمْ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي التَّهَاوُنِ ( ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ ) : يَضْعُفُ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ الظَّلَمَةُ وَالْفُسَّاقُ وَقَلَّ أَنْصَارُهُ ، فَيُعْذَرُ الْمُسْلِمُونَ فِي التَّرْكِ إِذْ ذَاكَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ لَا لِلتَّقْصِيرِ ( مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا) : لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/ 264-265) .(5)




سؤال وجواب للشيخ صالح الفوزان


هل موت العلماء وذهاب الصالحين من علامات نهاية الزمن وقيام الساعة؟
نعم في آخر الزمان يُكثر موت العلماء، ويفشو الجهل، « إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» هذا من علامات الساعة، وعلى المسلمين أنَّ يهتموا بالعلم النافع، تعليمًا وعملًا، وأنَّ يكثفوا مناهج العلم الشرعي في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، لئلا يُفقد العلم ويُكثر الجهل، وإذا فُقدوا العلماء الناس بحاجةٍ إلى من يُفتيهم، بحاجة ويعلمهم فيتخذون رؤوسًأ جُهَّالا الذين ليس عندهم علم فيضلون ويضلوا، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله



**************


(1) نزا : وثب : « نزا الحيوان ». 2 - نزا به قلبه إلى كذا : طمح إليه ، نازع إليه . 3 - نزا الطعام : غلا . 4 - نزا به الشر : تحرك المعجم: الرائد
 (2) بالى الأمرَ / بالى بالأمر / بالى للأمر : اكْتَرَثَ له ، واهتمّ به ، ويغلب استعماله في سياق النَّفي  :- لا يُبالي كثير من النَّاس بقيمة الوقت ، - لا أُبالي له .
(3)الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3279 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ومعنى "من أغفاله": أي مما لاخير فيه.

(4) الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الرقم: 2267 | خلاصة حكم المحدث : صحيح رواه الترمذي وأحمد.


نواقض حلية طالب العلم


 
 نواقض  حلية طالب العلم

• - قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد
 • - رحمه الله تبارك و تعالى - :

• - يا أخي ! وقانا الله وإياكم العسرات إن كنت قرأت مثلاً من حلية طالب العلم وآدابه وعلمت بعضاً من نواقضها فاعلم أن من أعظم خوارمها المفسدة لنظام عقدها :

١) - إفشاء السر .
٢) - ونقل الكلام من قوم إلى آخرين .
٣) - والصلف واللسانة .
٤) - وكثرة المزاح .
٥) - والدخول في حديث بين اثنين .
٦) - والحقد .
٧) - والحسد .
٨) - وسوء الظن .
٩) - ومجالسة المبتدعة .
١٠) - ونقل الخطى إلى المحارم .

• - فاحذر هذه الآثام وأخواتها واقصر خطاك عن جميع المحرمات فإن فعلت وإلا فاعلم أنك رقيق الديانة خفيف لعاب مغتاب نمام فأن لك أن تكون طالب علم يشار إليك بالبنان منعماً بالعلم والعمل ،
سدد الله الخطى ومنح الجميع التقوى وحسن العاقبة في الآخرة والأولى ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
 
 حلية طالب العلم (١٤٧/١)
═══════ ❁✿❁ ════════

• - قال العلامة ابن عثيمين
• - عليه رحمات رب العالمين - :

• - هذه النواقض والخوارم التي ذكرها هي في الحقيقة خدش عظيم لطالب العلم ، بل وللعامة أيضاً ...

• - فالحاصل أنك يا طالب العلم ، محترم ، تنزل بنفسك إلى ساحة الذل والضِّعَةِ ، بل كن كما ينبغي أن تكون .
 
شرح حلية طالب العلم (٣٣٧/١-٣٤٩)

═══════ ❁✿❁ ═══════
 للْاِشْتِرَاْك فِيْ تيْلِيْجْرَاْم  --  قنَاْة رَوَاْئِع الرَّبَّاْنِيِّيْن --
http://cutt.us/09ciM

الأحد، 17 يوليو 2016

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾

تأملات في قوله - تعالى -:

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا


الدكتور / أمين بن عبد الله الشقاوي

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وأشْهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله.

وبعد:
فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 31 - 40].

بعد أن ذَكَر تعالى حال الأشقِياء ذَكَر حال المتَّقين السُّعداء؛ ليكون المرء على بصيرة من أمره، وبيِّنَة في دينه، فإنَّ استقامة العبد في عبادتِه لربِّه لا تتمّ حتَّى يكون راجيًا لرحمة ربّه خائفًا من عذابه، قال الإمام أحمد بن حنبل - رحِمه الله -: ينبغي أن يكون الإنسان في عبادتِه لربِّه بين الخوْف والرَّجاء.

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾، قال ابن عبَّاس والضَّحَّاك: متنزَّهًا، قال مجاهد وقتادة: "فازوا فنجَوا من النَّار".

والمتَّقون هم الَّذين اتَّقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وقد أخبر الله - عزَّ وجلَّ - عن هذا الفوز بأنَّه عظيم، فقال تعالى: ﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح:5].

وأخبر - سبحانه - أنَّ هذا الفوز كبيرٌ، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج:11].

قوله تعالى: ﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾، حدائق: جمع حديقة؛ أي: بساتين أشْجارها عظيمة وكثيرة ومنوَّعة، وأعنابًا: جمع عِنَب، وهي من جملة الحدائق، لكنَّه خصَّصها بالذّكر لشرفها.

قوله تعالى: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾، جمع[1] كاعب، وهي النَّاهد، قال ابن عبَّاس ومجاهد وغير واحد: كواعب؛ أي: أن "ثُدِيَّهُنَّ نواهد" ليستْ متدلّية إلى أسفل؛ لأنهنَّ أبكار عرب أتْراب[2].

و﴿ أَتْرَابًا؛ أي: في سنّ واحدة لا تختلِف إحداهنَّ عن الأُخرى كما في نساء الدنيا، كما في قوله تعالى في سورة الواقعة: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35 - 37].

قوله تعالى: ﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾؛ أي: كأسًا ممتلئة، والمراد هنا الخمر، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [محمد:15].

وخمْر الآخِرة ليستْ كخمْر الدُّنيا يصيب الإنسان الصداع والقيء منها، فقد نفَى الله تعالى عنْها ذلك، قال تعالى: ﴿ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ ﴾ [الواقعة:19].

قوله تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 35]؛ أي: لا يسمعون لغوًا؛ أي: كلامًا باطلاً لا خير فيه، ولا كذَّابًا: أي ولا كذِبًا، فلا يكذبون ولا يكذب بعضهم بعضًا، قال تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]، وقال سبحانه: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر:47].

قوله تعالى: ﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾؛ أي: إنهم يُجزون بهذا جزاء من الله - سبحانه وتعالى - على أعمالِهم الحسنة التي عمِلوها في الدنيا، قال تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم:31].

وحسابًا؛ أي: كافيًا وافرًا شاملاً، تقول العرب: أعطاني فأحسَبَني؛ أي: كفاني، ومنه حسبي الله؛ أي: إنَّ الله كافيني.

قوله تعالى: ﴿ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾، يخبر تعالى عن عظمته وجلاله، وأنَّه ربّ السَّموات والأرض وما فيهما وما بيْنهما، وأنَّه الرَّحمن الَّذي وسِعَتْ رحْمته كلَّ شيء، ﴿ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾؛ أي: لا يقْدر أحدٌ على ابتِداء مخاطبته إلاَّ بإذنه، كقوله: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه ﴾ [البقرة:255]، وكقوله: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [هود:105].

قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾؛ أي: لا أحد يتكلَّم لا الملائكة ولا غيرهم، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه:108]، وقد اختلف المفسّرون في المراد بالرُّوح؛ فقيل: إنَّهم بنو آدم، وقيل: جبريل كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194]، وقيل: القرآن، وقيل: ملَك من الملائكة يقدر بجميع المخلوقات، وقيل غير ذلك.

ورجَّح جمعٌ من المفسّرين أنَّه جبريل - عليه السلام.

﴿ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ﴾؛ أي: بالكلام، وقال قولاً صوابًا، وذلك بالشَّفاعة إذا أذِن الله لأحد أن يشفع، شفع فيما أذن له فيه على حساب ما أذن له.

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هُرَيْرة - رضي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ولا يتكلَّم يومئذٍ إلاَّ الرُّسل، ودعوى الرسل يومئذٍ: اللَّهُمَّ سلِّم سلِّم))[3].

قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾؛ أي: الكائن المتحقّق لا محالة، فمَن شاء اتَّخذ إلى ربِّه مآبًا، قال القرطبي: "أي مرجعًا بالعمل الصالح، كأنَّه إذا عمل خيرًا ردَّه إلى الله - عزَّ وجلَّ، وإذا عمل شرًّا عدَّه منه، وننظر إلى هذا المعنى في قولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((والخير كلّه في يديك، والشَّرّ ليس إليك))؛ تأدّبًا مع الله"[4] [5].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾؛ أي: تُعرَض عليه جميع أعماله، خيْرها وشرّها، قديمها وحديثها، كقوله تعالى: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف:49]، وكقوله تعالى: ﴿ يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة:13]، وجاء في وصف هذا العذاب بأنَّه قريب، فكلّ ما هو آتٍ فهو قريب، قال بعض المفسِّرين: إنَّه يشمل عذاب الآخرة والموت والقيامة؛ لأنَّ مَن مات فقد قامت قيامته، فإن كان من أهل الجنَّة رأى مقعده من الجنَّة، وإن كان من أهل النَّار رأى مقعده من النَّار[6].

قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾؛ أي: يودّ الكافر يومئذٍ أنَّه كان في الدّنيا ترابًا ولم يَكُن خُلِق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاينَ عذاب الله ونظر إلى أعمالِه الفاسدة، قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السَّفَرة، الكرام البررة، وقيل: إنَّما يودّ ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات الَّتي كانت في الدّنيا، فيفصل بيْنها بحكمه العادل الَّذي لا يجور، حتَّى إنَّه ليقتصّ للشَّاة الجمَّاء من القرْناء، فإذا فرغ من الحكم بيْنها قال لها: كوني ترابًا، فتصير ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا[7]، وذكر ابن جرير في تفسيره آثارًا عن الصَّحابة، منهم عبدالله بن عُمر وأبو هريرة - رضي الله عنهم - أنَّ الله تعالى يقتصّ بين هذه البهائم يوم القيامة، ثمَّ يقول لها بعد ذلك: كوني ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا[8].


والحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحْبِه أجْمعين.
المادة باللغة الإنجليزية






[1]تفسير ابن عثيمين لجزء عمّ ص34.
[2]تفسير ابن كثير: (14/34).
[3]ص 1417 برقم 7437، وصحيح مسلم: ص99 برقم 182.
[4]تفسير القرطبي: (22/33).
[5] صحيح مسلم: ص 305 برقم 771.
[6]تفسير القرطبي: (22/33).
[7]تفسير ابن كثير: (14/237).
[8]انظر تفسير ابن جرير: (12/418-419)




رابط الموضوع: 



السبت، 16 يوليو 2016

الفرق بين أخلاق العاقل وأخلاق الجاهل






الفرق بين أخلاق العاقل وأخلاق الجاهل

قال وهب بن منبه:

من أخلاق العاقل:
■ الحلم .
■ والعلم .
■ والرشد .
■ والعفاف .
■ والصيانة .
■ والحياء .
■ والرزانة .
■ ولزوم الخير .
■ ورفض الشر .
■ وطواعية الناصح .


من أخلاق الجاهل:
■ الطيش .
■ والسفه .
■ والضجرة .
■ والعجلة .
■ والغضب .
■ والملامة .
■ والكذب .
■ وبغض الخير .
■ وحب الشر .
■ وطاعة الغاش .

التهذيب ١٣-١٥٧

خدمة العلامتين الدعوية 

https://telegram.me/al3llamteen


الجمعة، 15 يوليو 2016

الدِّين كُله خُلُق ..





الدِّين كُله خُلُق ..

 قال ابن القيم : الدِّين كُله خُلُق ، فمن زاد عليك في الْخُلُق ، زاد عليك في الدِّين .

 وقال ابن رجب : حُسن الْخُلق قد يُراد به التخَلّق بأخلاق الشريعة ، والتأدّب بآداب الله التي أدّب بها عباده في كتابه ، كما قال تعالى لِرَسوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وقالت عائشة : " كان خُلُقه صلى الله عليه وسلم القرآن " ، يعني أنه يتأدّب بآدابه ، فيفعل أوامِره ، ويتجنّب نواهيه ؛ فَصارَ العمل بالقرآن له خُلُقا كالْجِبِلَّة والطبيعة لا يُفارِقه ، وهذا أحسن الأخلاق وأشرفها وأجملها . وقد قيل : إن الدِّين كُله خُلق .


الشيخ / عبد الرحمن السحيم .

الخميس، 14 يوليو 2016

هل يجب الصلاة والسلام على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلما ذكر؟






هل يجب الصلاة والسلام على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلما ذكر؟


 
 أو يكتفى بالصلاة عليه مرة، والباقي على سبيل الاستحباب، ولا شك أن الأمر أصله الوجوب، الأمر أصله الوجوب، ثم بعد ذلك جاء ما يدل عليه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) ((ورغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي)) –عليه الصلاة والسلام- ولا يتم الامتثال، أعني امتثال الأمر إلا بالجمع بين الصلاة والسلام، فإذا ذكر تقول: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، فلا تختصر بحروف أو بحرف، حتى وجد في كتب العلوم الحديثة أن أول من كتب المختصر الرمز "صلعم" قطعت يده, ولا شك أن هذا حرمان، الاقتصار على الرمز سواء كان هذا الاقتصار على الحروف الأربعة أو على حرف واحد، كله حرمان، لا يتم به الامتثال، ومن الناس وهو يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- تجده يأكل بعض الحروف، أو بعض الكلمات، مثل هذا لا يتم به الامتثال، بعض الناس يستعجل في كلامه، فيأكل حروف أو كلمات، مثل هذا لا يتم حتى يحقق الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام- كذلكم لا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والسلام -عليه الصلاة والسلام- فلا يكتفي بالصلاة، ولا يكتفي بالسلام

فلا يقول أحياناً إذا طال الكلام، نسي السلام، فأحياناً يقول بعض الناس: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم ينسى وسلم، كما فعل الإمام مسلم في صحيحه، ومنهم من يقتصر على قوله: عليه السلام، ولا شك أنه لا يتم الامتثال إلا بالجمع بينهما؛ لأن الله -جل وعلا- أمر بهما جميعاً، {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب].


النووي -رحمه الله تعالى- أطلق الكراهة، في شرحه على صحيح مسلم أطلق الكراهة في الاختصار على الصلاة أو العكس الصلاة دون السلام، أو السلام دون الصلاة، والحافظ ابن حجر يقول: الكراهة لا تتجه إلا بالنسبة لمن كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار، يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، أما من كان يجمع بينهما وأحياناً يقتصر على الصلاة، وأحياناً يقتصر على السلام، فهذا لا تتناوله الكراهة، وعلى كل حال الامتثال لا يتم إلا بالجمع بينهما، هذا بالنسبة للصلاة والسلام عليه خارج الصلاة، وأما الصلاة عليه في الصلاة بعد التشهد، فهو ركن من أركانها، من أركان الصلاة عند الحنابلة، لا تصح إلا به، الصلاة باطلة إذا لم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة عند الحنابلة باطلة، إذا لم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المصدر : مكانة النبي صلى الله عليه وسلم

قناة فوائد د. عبدالكريم الخضير


http://goo.gl/TvWSkm

وصية عالم



وصية عالم

قال الإمام الموفَّقُ محمَّدٌ السفَّاريني -رحمه الله تعالى-
 في وصيَّته :
 
 فاغتنم رحمك الله حياتك النَّفيسة، واحتفظ بأوقاتك العزيزة، واعلم أن مدَّة حياتِك محدودةٌ، وأنفاسك معدودةٌ، فكلُّ نفسٍ ينقص به جزء منك، والعمر كله قصير، والباقي منه هو اليسير، وكل جزءٍ منه جوهرةٌ نفيسةٌ لا عدل لها، ولا خُلف منها، فإنَّ بهذه الحياة اليسيرة خلودُ الأبد في النَّعيم، أو العذاب الأليم

 
وإذا عادلتَ هذه الحياة بخلود الأبد علمتَ أنَّ كلَّ نَفَسٍ يعدلُ أكثر من ألف ألف ألف عام في نعيم لا خطر له، أو خلاف ذلك، وما كان هكذا فلا قيمة له. فلا تُضَيِّع جواهرَ عُمركَ النَّفيسة بغير عملٍ، ولا تذهبهَا بغير عوضٍ، واجتهد أن لا يخلو نَفسٌ من أنفاسك إلاَّ في عَمَلِ طاعةٍ أو قربةٍ تتقرب بها.

 
فإنَّك لو كانت معك جوهرةٌ من جواهر الدُّنيا لَسَاءَكَ ذهابها فكيف تُفَرِّطُ في ساعاتك وأوقاتك، وكيف لا تحزن على عُمرك الذَّاهب بغير عوض”.

 
المصدر :
[غذاء الألباب شرح منظومة الآداب (2/ 351)] .

منقول