الاثنين، 3 يونيو 2013

هل يجوز على الإنسان أن يقسم على الله (عز وجل ) ؟ .

سئل :الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 
هل يجوز على الإنسان أن يقسم على الله ؟   .



  فأجاب بقوله

: الأقسام على الله أن يقول الإنسان والله لا يكون كذا و وكذا ،
أو والله لا يفعل الله كذا وكذا والإقسام على الله نوعان :

أحدهما : أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله – عز وجل- وقوة إيمانه به مع اعترافه بضعفه وعدم إلزامه الله بشيء فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : "رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" ودليل آخر واقعي وهو حديث أنس بن النضر حينما كسرت أخته الربيع سنّا لجارية من الأنصار فطالب أهلها بالقصاص
فطلب إليهم العفو فأبوا ، فعرضوا الأرش فأبوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنيّة الربيع ؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا أنس كتاب الله القصاص ) فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) وهو – رضي الله عنه – لم يقسم اعتراضاً على الحكم وإباء لتنفيذه فجعل الله الرحمة في قلوب أولياء المرأة التي كسرت سنها فعفو عفواً مطلقاً ، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) فهذا النوع من الأقسام لا بأس به .

النوع الثاني : من الإقسام على الله : ما كان الحامل عليه الغرور والإعجاب بالنفس وأنه يستحق على الله كذا وكذا ، فهذا والعياذ بالله محرم ، وقد يكون محبطاً للعمل ، ودليل ذلك أن رجلاً كان عابداً وكان يمر بشخص عاص لله ، وكلما مر به نهاه فلم ينته ، فقال ذات يوم والله لا يغفر الله لفلان – نسأل الله العافية – فهذا تحجر رحمه الله ؛ لأنه مغرور بنفسه فقال الله – عز وجل – " من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عملك " قال أبو هريرة : ( تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته) . ومن هذا نأخذ أن من أضر ما يكون على الإنسان اللسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه-:(ألا أخبرك بملاك ذلك كله) قلت:بلى يا رسول الله ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه فقال : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟.
فقال : " ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط .



منقـــــــــــــــول
كتاب المناهي اللفظية

السبت، 1 يونيو 2013

مسائل قال فيها الإمام ابن عثيمين رحمه الله : لا أدري ..

مسائل قال فيها الإمام ابن عثيمين رحمه الله : لا أدري ...

رأفت الحامد العدني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد ... فهذه مواضع من كلام فقيه الزمان وعلامة الأنام العثيمين رحمه الله تعالى ، قال فيها : لا أدري ... لتكون دليلاً صارخاً على إمامة هذا العلم الشامخ في الفقه والدين ،وعلى تواضعه الجم ، وهي فكرة بديعة من فِكر الأخ المسيطير ، الذي عودنا دائماً بكل جديد ومفيد ماتع فريد ، فجزاه الله عنا خيراً ،وجعل كل ما كتب وسطر في ميزان حسناته . حفظه الله تعالى .... آمين

قال العثيمين رحمه الله تعالى :

أيها الإخوة: إن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم : لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري، إن ذلك من تمام العقل؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها، وإن ذلك أيضاً من تمام الإيمان بالله وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه مالا يعلم، ولقد كان رسول الله e وهو أعلم الخلق بدين الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه ] يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [ (المائدة الآية: 4) ] وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرا [ (الكهف الآية:83) ] يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [ (لأعراف الآية: 187) ولقد كان الأجلاء من الصحابة، تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها.
فها هو أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - يقول: (( أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم)).
وهاهو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها، قال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه :- (( أبها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم ، فأن مع العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم)). وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك، فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: ] لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [ (البقرة الآية:32) .مؤلفات العثيمين (6 / 365) كتاب العلم

يقول الشيخ : محمد المنجد في شريط (100) فائدة من العلامة الشيخ ابن عثيمين :

مميزات الشيخ ابن عثيمين :
لقد كان للشيخ رحمه الله مميزات.. منها:
1- الشمولية العلمية في هذه الموسوعات التي تجدها له في شتى مجالات العلم الشرعي.
2- أنه كان منضبطاً في إنتاجه العلمي، وكان يأخذ بالقواعد العامة؛ كاتباع الظاهر في الأحكام والعقائد، إلا ما دل الدليل على خلافه، لكن اتباع الظاهر في العقائد أوكد؛ لأنها أمور غيبية لا مجال للعقل فيها؛ بخلاف الأحكام فإن العقل يدخل فيها أحياناً، لكن الأصل أننا مكلفون بالظاهر.
3- أنه كان لا يتردد في إعلان توقفه، وأن يقول: لا أدري.. في مسائل، وقد جربت ذلك في عددٍ من القضايا مع الشيخ رحمه الله.

وهاك أخي أمثلة واضحة على ما قاله الشيخ المنجد :


لقاء الباب المفتوح [112] يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر رجب عام (1416هـ).

حكم الحجامة في الشتاء
السؤال: يقولون: الحجامة لا تكون في الشتاء, هل هذا صحيح؟
الجواب: لا أدري, لكن مرجع هذا إلى الأطباء الذين يمارسون هذا الشيء.
السائل: أما ورد يا شيخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه احتجم؟
الشيخ: ورد أن الحجامة من أفضل أنواع الطب.
السائل: قصدي في الشتاء؟
الشيخ: لا أدري.

لقاء الباب المفتوح [168]يوم الخميس هو الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ).

حكم قراءة المأموم للفاتحة في حال النهوض
السؤال: إذا كان المأموم بطيء النهوض ولا يكاد يقف إلا وقد ركع الإمام، هل يقرأ الفاتحة في حال النهوض، أو يصلي جالساً؟ جزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا، يقوم ويقرأ ما تيسر من الفاتحة ويكملها ولو ركع الإمام.
السائل: هل يقرأ في حال نهوضه؟
الشيخ: لا يقرأ في حال نهوضه؛ لأنه قادر على القيام.
السائل: قد لا يدرك إلا آيتين حتى إن الإمام ركع؟
الشيخ: لكن ألا يستطيع أن يقرأ الخمس آيات الباقية؟
السائل: لا يمكنه لأنه بطيء النهوض.
الشيخ: والله! لا أدري، نتوقف فيها حتى يفتح الله علينا.
السائل: ألا يصلي جالساً؟
الشيخ: ما أدري.

لقاء الباب المفتوح [180] يوم الخميس هو العاشر من شهر محرم عام (1419هـ).

حكم أفلام الفيديو الإسلامية
السؤال: في مقابلة للأفلام الماجنة ظهرت أفلام كبديل إسلامي تعرض مسرحيات هادفة، أو أحياناً رسوماً متحركة تحكي معارك إسلامية، فما أدري ما رأيكم في هذه الأفلام؟
الشيخ: والله! لا أستطيع أن أحكم على شيء لا أدري عنه، ولا أدري ماذا تعرض هذه الأفلام؟
السائل: مسرحية مثلاً تعرض مشكلة من مشكلات المجتمع ثم تعالجها، وتصور بالفيديو وتباع.
الشيخ: يعني: من قبيل التمثيليات؟
السائل: نعم. الشيخ: التمثيل العلماء مختلفون فيه، فمنهم من يمنعه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه جائز بشروط: ألا يتضمن محرماً، فمثلاً: إذا كان هذا -وهذا هو الذي أراه- أي: إذا لم يتضمن محرماً، وإنما يعالج مشاكل المجتمع دون أن ينسب قولاً إلى غير قائل فلا بأس به.
السائل: وبالنسبة للرسوم المتحركة؟
الشيخ: الرسوم سواء متحركة أو غير متحركة، الفيديو هذا في الواقع لا يعتبر صورة؛ لأنك لو رجعت إلى الشريط لن تجد شيئاً.

لقاء الباب المفتوح [200] يوم الخميس هو (23) من شهر ذي القعدة لعام (1419هـ)

حكم تربية الديك من أجل سماع الصوت
السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز تربية الديك لتحري سماع صوته، لورود الحديث في ذلك؟ بارك الله فيكم.
الجواب: والله! لا أدري عن هذا، لأن المشروع للإنسان إذا سمع صياح الديك أن يسأل الله من فضله، فيقول: هل يجوز أن يقتني ديكاً حتى يؤذن فيسأل الله من فضله؟ لكن أخشى أن يكون ديكك أخرس. وهذا ما ورد عن السلف، والحمد لله أنت تسأل الله من فضله سواء سمعت صوت ديك أو لا، اسأل الله من فضله دائماً.

لقاء الباب المفتوح [201]

المحافظة على الطعام المتبقي في الإناء
السؤال: بعض الناس عندما ينشرون الطعام يضعون عليه العسيب والسعف ويضعون عنده تمراً، يقولون: حتى لا يأتيه شيء، فما الحكم؟
الجواب: والله! هذه علمناها قديماً ونحن صغار يقولون: إن الوزغ -وهو الذي يخاف منه- يهرب من الخوص ومن التمر ولهذا يضرب به المثل، إذا كان الشخص مثلاً يحصل عليه حوادث ولا يأتيه شيء يقولون: هذه تمرة ما يقدر عليها اللحوس، لكن هذا شيء لا أدري هل هو صحيح أم لا؟
لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يوضع على الإناء ستر ولو عودة، فلذلك ينبغي مثلاً إذا فضل في الإناء طعام أو تمر، أو غيره مما يؤكل، أن يضع الإنسان عليه شيئاً ولو عودة هكذا جاءت السنة.

لقاء الباب المفتوح [204] يوم الخميس هو السابع والعشرون من الشهر المحرم عام (1420هـ).

بيان معنى حديث: (إن عبداً أصححت له جسمه ...)
السؤال: فضيلة الشيخ! حديث النبي عليه الصلاة والسلام (إن عبداً أصححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) هل هذا يشمل الحج والعمرة أم الحج فقط؟
الجواب: والله لا أدري عن هذا الحديث.
السائل: هذا ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث أبي سعيد ، إن ثبتت يا شيخ صحته، فما الحكم؟
الشيخ: لا يمكن أن يثبت هذا، إن كان المراد الحج والعمرة فلا يثبت أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صح عنه أنه لما ذكر الحج، قال له الأقرع بن حابس : (أفي كل عام يا رسول الله! قال: لو قلت نعم لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) ولو صح هذا الحديث لكان ما زاد فيه تطوع وفيه واجب، فأظن أن هذا الحديث لا يصح.

قلت : نعم قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 22 1662 : ... و جملة القول : إن الحديث صحيح قطعا بمجموع هذه الطرق . و الله أعلم .
( فائدة ) قال المنذري في " الترغيب " ( 2 / 134 ) : " رواه ابن حبان في " صحيحه " و البيهقي و قال : قال علي بن المنذر أخبرني بعض أصحابنا قال : كان حسن بن حي يعجبه هذا الحديث ، و به يأخذ ، و يحب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين " .اهـ بنصه

ولكن يؤيد مقال العثيمين ما قاله القرطبي في تفسيره (4 / 142) :
وقال بعض الناس: يجب في كل خمسة أعوام [ مرة ] ، ورووا في ذلك حديثا أسندوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث باطل لا يصح، والاجماع صاد في وجوههم.
قلت: وذكر عبد الرزاق قال: حدثنا سفيان [ الثوري ] عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الرب عزوجل إن عبدا أوسعت عليه في الرزق فلم يعد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم) مشهور من حديث العلاء بن المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي من أولاد المحدثين، روى عنه غير واحد، منهم من قال: في كل خمسة أعوام، ومنهم من قال: عن العلاء عن يونس بن خباب عن أبي سعيد، في غير ذلك من الاختلاف. اهـ بنصه

دروس للشيخ العثيمين (3 / 24)

حكم ترك المبيت بمزدلفة
السؤال : العام عندما حججنا، حبسنا الزحام، وما بتنا بـ مزدلفة .
الشيخ: متى وصلتم مزدلفة ؟
السائلة: ما وصلناها إلا الساعة العاشرة من النهار، حبسنا الزحام، علينا فدية وإلاَّ لا؟
الشيخ: والله إن فديتم فهو أحسن.
السائلة: وإذا ما فدينا؟
الشيخ: إذا ما فديتم فأنا أتوقف في هذا.
السائلة: ما علينا؟
الشيخ: لا أدري، الله أعلم، لكن الفدية أحسن.

مؤلفات العثيمين (6 / 90)

س: أحسن الله إليك، هذا يقول: هل يصح نسبة هذا الحديث إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة " ؟
ج: لا أدري عنه، ما أدري، والله أعلم.

قلت : قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 457 ) :
289 - " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا " .
ضعيف .
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " ( 178 ـ من زوائده ) و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 674 ) و ابن لال في " حديثه " ( 116 / 1 ) و ابن بشران في " الأمالي " ( 20 / 38 / 1 ) و البيهقي في " الشعب " و غيرهم من طريق أبي شجاع عن أبي طيبة عن ابن مسعود مرفوعا .
و هذا سند ضعيف ، قال الذهبي : أبو شجاع نكرة لا يعرف ، عن أبي طيبة ، و من أبو طيبة ؟ عن ابن مسعود بهذا الحديث مرفوعا .
و قد أشار بهذا الكلام إلى أن أبا طيبة نكرة لا يعرف ، و صرح في ترجمته بأنه مجهول .
ثم إن في سند الحديث اضطرابا من وجوه ثلاثة بينها الحافظ ابن حجر في " اللسان " في ترجمة أبي شجاع هذا فليراجعه من شاء ، و في " فيض القدير " للمناوي : و قال الزيلعي تبعا لجمع : هو معلول من وجوه : أحدها : الانقطاع كما بينه الدارقطني و غيره .
الثاني : نكارة متنه كما ذكره أحمد .
الثالث : ضعف رواته كما قاله ابن الجوزي .
الرابع : اضطرابه ، و قد أجمع على ضعفه أحمد و أبو حاتم و ابنه و الدارقطني و البيهقي و غيرهم .
و قال المناوي في " التيسير " : و الحديث منكر .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

منقـــــــــــــــــول 
صيــد الفوائد 

النصر مع الصبر


النصر مع الصبر

مبارك عامر بقنه


المعركة عندما تَطول مع أهل الباطلِ، فإن الغَلَبة والنُّصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، وكما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، فتأمَّل كم مكَث فرعون يقتل في بني إسرائيل قبل مجيء موسى - عليه السلام - ثم كانت العاقبة للمستضعفين بعد صراع طويل ومرير مع أهل الباطل! وتأمَّل كم عانى يوسف - عليه السلام - في حياته ثم كانت العاقبة له، وعلَّل يوسف - عليه السلام - نصره بشرطين، ذَكَرهما الله تعالى في قوله: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]، فهذان الشرطان هما مُرتكز أسلحة المؤمنين: الصبر والتقوى، كما قرَّر البارئ - سبحانه - في التغلب على كيد الأعداء أيضًا بهذين الشرطين: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، يقول سيد قطب - رحمه الله - حول هذه الآية الكريمة: "فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء، وأمام مكْرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخِداع، الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل، ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها؛ اتقاء لشرهم المتوقَّع، أو كسبًا لودهم المدخول، ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده، ومراقبته وحده، هو تقوى الله التي تربِط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تَعتصِم بحبل إلا حبله، وحين يتَّصِل القلب بالله فإنه سيَحقِر كلَّ قوة غير قوَّته، وستَشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يوادّ مَن حاد الله ورسوله؛ طلبًا للنجاة أو كسبًا للعزة!"[1].

فالحرب لا بد فيها من الصبر والأخذ بعزائم الأمور؛ لأنها ستطول؛ إذ لن يرضى الباطل أن يترك ساحة المعركة دون تقديم كلِّ ما لديه من قوة، فسينتصر لباطله ويَبذُل كل ما يستطيع من قوة ماليَّة وبدنية وفكرية من أجل القضاء على الحق؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، فقتال أهل الباطل مستمر، ولكنهم لن يستطيعوا أبدًا أن يقضوا على الحق؛ ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، فالإسلام قائم ومُنتشِر وسيزداد انتشارًا بإذن الله تعالى؛ فقد جاء عن تميم الداري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين، بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزًّا يُعِز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل الله به الكفر))[2]، فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب مَن أسلم منهم الخيرَ والشرفَ والعزَّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذلُّ والصَّغار والجزية.

وقد تقرَّر في شريعتنا أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة؛ ولكن بمقدار قرب المؤمنين من ربهم وبمقدار اعتمادهم وتوكُّلهم على الله - عز وجل - حتى وإن خاضت الملائكة المعركة مع المؤمنين، فإن النصر لن يكون بذلك؛ بل من الله - عز وجل - كما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160]، وكما قال - سبحانه -: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

القوة الماديَّة مطلوبة شرعًا: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، ولكن مطلوب شرعًا ألا تَغرَّنا وتفتنّا ونَظن النصر بهذه القوة المادية فنخسر المعركة، فالمؤمنون يستمِدون قوَّتَهم من الله، فاتكالهم الحقيقي يكون على الله، وليس على أي منظمة أو هيئة أو جماعة أو دولة، وهذه القوى - إن ساندت المؤمنين لسبب ما - ما هي إلا بشرى، ولكنها ليست هي السبب الحقيقي للنصر، فالله هو الذي يُحقِّق النصر كيف شاء وبما شاء؛ ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، وكما قال - عز وجل -: ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة: 26]، فحقيقة النصر وكماله من الله - عز وجل - ولذا كان الاستمداد الحقيقي هو من الله أولاً وآخرًا، فعادة الله نصر أوليائه، وإن قلَّ الجمع: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، فالنصر بيد الله، فالله هو الذي يَملِك مقاليد الأمور، ولا يصير شيء خلاف ما يريد، ولكن لضعف إيماننا وقلة صبرنا تتعلَّق نفوسنا بالأشياء المادية المحسوسة، ولهذا قال الله بعد أن أنزل الملائكة لتنصر المؤمنين: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، فالقوة المادية هي من باب الاستئناس والاطمئنان فلا يكون الاتكال المُطلَق عليها.

فنصر الله للمؤمنين آتٍ بإذن الله تعالى، ولكن علينا أن نستمسِك بالصبر، فالطريق طويل ومليء بالصعوبات، وما يجده المؤمنون من اضطهاد وضيم هو من البلاء والتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب، فلا يُصيبنا اليأس والقنوط، فتكون كوة يَلِج منها الباطل ليُخدِّر بها عزائمنا وصمودنا، فالمعركة معركة ثبات وتمسُّك بالمبادئ، فالمتمسِّك بمبادئه هو من سينتصر.

ومما يخشى على النفوس مع طول الابتلاء وضراوة المِحن والفتن أن يصيبها الإحباط واليأس؛ لذا كان من المهم الاستعانة بالله تعالى والأخذ بالصبر، وإدراك طبيعة الصراع بين الحق والباطل أنه صراع أزلي، وأن أهل الباطل يفتنون أهل الحق في دينهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الممتحنة: 5]، قال مجاهد: معناه: لا تُعذِّبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا، وكذا قال الضحاك، وقال قتادة لا تُظْهِرهم علينا فيُفتتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ همْ عليه، واختاره ابن جرير[3]. وأهل الإيمان عندما يسقطون في فخ اليأس والقنوط، ويَظنون أنهم قد هُزِموا، وأنه لا ناصر لهم، فإن الباطل يتسلَّط عليهم، فأهل الباطل لو تغلَّبوا في المعركة ولم تنكسِر نفوس المؤمنين ولم ييئسوا، فالباطل حقيقة لم ينتصر، وإنما كسب معركة على الأرض قد تُرد وتُسترَجع قريبًا ما دام الإيمان قائمًا في النفوس؛ ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214[.


------------------------------
[1]  (1: 423)
[2] رواه ابن حبان بنحوه، وصحَّحه الألباني في السلسلة (1: 7)
[3] انظر تفسير ابن كثير (8: 88)