الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

بَاب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ



 بَاب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
من شرح كتاب الرقاق من صحيح الإمام البخاري



وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى}أَيَحْسِبُونَ أَنَّ مَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ {قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَعْمَلُوهَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا.
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ  بَل لَّا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ  وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) ) .


قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه

6081 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ .


الشرح


قَوْلُهُ (بَاب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ قَلِيلَ الْمَالِ أَوْ كَثِيرَهُ وَالْغِنَى . قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ - إِلَى قَوْلِهِ - هُمْ لَهَا عَامِلُونَ وَهَذِهِ رَأْسُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْآيَةِ الْمُبْدَأِ بِهَا هُنَا وَالْآيَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا اعْتَرَضَتْ فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا لَلْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ نَمُدُّهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ ذُكِرَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا وَالْمَعْنَى أَيَظُنُّونَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي نَرْزُقُهُمْ إِيَّاهُ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا ؟ إِنْ ظَنُّوا ذَلِكَ أَخْطَئُوا بَلْ هُوَ اسْتِدْرَاجٌ كَمَا قَالَ - تَعَالَى – (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)  وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا أَيْ مِنَ الِاسْتِدْرَاجِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الْأَعْمَالَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَعْمَلُوهَا لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمُوهَا وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا السُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ فَقَالُوا الْمَعْنَى كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلُوهَا قَبْلَ مَوْتِهِمْ لِتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ثُمَّ مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِلْحَدِيثِ أَنَّ خَيْرِيَّةَ الْمَالِ لَيْسَتْ لِذَاتِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى خَيْرًا فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ لَيْسَ غَنِيًّا لِذَاتِهِ بَلْ بِحَسَبِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ غَنِيًّا لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي صَرْفِهِ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ فَقِيرًا أَمْسَكَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ خَشْيَةً مِنْ نَفَادِهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَقِيرٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَإِنْ كَانَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْأُخْرَى بَلْ رُبَّمَا كَانَ وَبَالًا عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَمَّا عَنْ فَهِيَ سَبَبِيَّةٌ وَأَمَّا الْعَرَضُ فَهُوَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَيُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْجَوْهَرَ وَعَلَى كُلُّ مَا يَعْرِضُ لِلشَّخْصِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبُونِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ عَنْهُ قَالَ اتَّصَلَ بِي عَنْ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِ الْقَيْرَوَانِ أَنَّهُ قَالَ الْعَرَضُ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ الْوَاحِدُ مِنَ الْعُرُوضُ الَّتِي يُتَّجَرُ فِيهَا قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّهُ مَا يَعْرِضُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ أَحَدَ الْعُرُوضِ الَّتِي يُتَّجَرُ فِيهَا بَلْ وَاحِدُهَا عَرْضٌ بِالْإِسْكَانِ وَهُوَ مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْعُرُوضُ الْأَمْتِعَةُ وَهِيَ مَا سِوَى الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَمَا لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَهَكَذَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : الْعَرْضُ بِالسُّكُونِ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَالِ غَيْرَ نَقْدٍ وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَمَا يُصِيبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ حَظِّهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ - تَعَالَى - : تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَقَالَ : وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ .
قَوْلُهُ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا " إِنَّمَا الْغِنَى فِي النَّفْسِ " وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ وَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرَ ؟ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ (1) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَيْسَ حَقِيقَةُ الْغِنَى كَثْرَةَ الْمَالِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ لَا يَقْنَعُ بِمَا أُوتِيَ فَهُوَ يَجْتَهِدُ فِي الِازْدِيَادِ وَلَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ فَكَأَنَّهُ فَقِيرٌ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَهُوَ مَنِ اسْتَغْنَى بِمَا أُوتِيَ وَقَنِعَ بِهِ وَرَضِيَ وَلَمْ يَحْرِصْ عَلَى الِازْدِيَادِ وَلَا أَلَحَّ فِي الطَّلَبِ ، فَكَأَنَّهُ غَنِيٌّ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْغِنَى النَّافِعَ أَوِ الْعَظِيمَ أَوِ الْمَمْدُوحَ هُوَ غِنَى النَّفْسِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَغْنَتْ نَفْسُهُ كَفَّتْ عَنِ الْمَطَامِعِ فَعَزَّتْ وَعَظُمَتْ وَحَصَلَ لَهَا مِنَ الْحُظْوَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالشَّرَفِ وَالْمَدْحِ أَكْثَرُ مِنَ الْغِنَى الَّذِي يَنَالُهُ مَنْ يَكُونُ فَقِيرَ النَّفْسِ لِحِرْصِهِ فَإِنَّهُ يُوَرِّطُهُ فِي رَذَائِلِ الْأُمُورِ وَخَسَائِسِ الْأَفْعَالِ لِدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ وَبُخْلِهِ وَيَكْثُرُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنَ النَّاسِ وَيَصْغُرُ قَدْرُهُ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ أَحْقَرَ مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ وَأَذَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِغِنَى النَّفْسِ يَكُونُ قَانِعًا بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَا يَحْرِصُ عَلَى الِازْدِيَادِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا يُلِحُّ فِي الطَّلَبِ وَلَا يُلْحِفُ فِي السُّؤَالِ بَلْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ وَاجِدٌ أَبَدًا وَالْمُتَّصِفُ بِفَقْرِ النَّفْسِ عَلَى الضِّدِّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِيَ بَلْ هُوَ أَبَدًا فِي طَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ ثُمَّ إِذَا فَاتَهُ الْمَطْلُوبُ حَزِنَ وَأَسِفَ فَكَأَنَّهُ فَقِيرٌ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا أُعْطِيَ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ ثُمَّ غِنَى النَّفْسِ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ عِلْمًا بِأَنَّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْحِرْصِ وَالطَّلَبِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ
غِنَى النَّفْسِ مَا يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ حَاجَةٍ فَإِنْ زَادَ شَيْئًا عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرًا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِغِنَى النَّفْسِ حُصُولُ الْكَمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْقَائِلُ (  وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ     مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ )
أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْفِقَ أَوْقَاتَهُ فِي الْغِنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْكَمَالَاتِ لَا فِي جَمْعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ بِذَلِكَ إِلَّا فَقْرًا انْتَهَى وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ غِنَى النَّفْسِ بِغِنَى الْقَلْبِ بِأَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى رَبِّهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ فَيَرْضَى بِقَضَائِهِ وَيَشْكُرُهُ عَلَى نَعْمَائِهِ وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ فِي كَشْفِ ضَرَّائِهِ فَيَنْشَأُ عَنِ افْتِقَارِ الْقَلْبِ لِرَبِّهِ غِنَى نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَبِهِ - تَعَالَى - وَالْغِنَى الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى يَتَنَزَّلُ عَلَى غِنَى النَّفْسِ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَا يَخْفَى مَا كَانَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْهِ خَيْبَرُ وَغَيْرُهَا مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ


 
 
شرح الشيخ بن عثيمين صـــ38

قوله: { وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }وأتى بـ (يُؤْمِنُونَ ) لأن هذه الآيات تتجدد فالذين في وقت نزول القرآن تتنزل عليهم الآيات يوماً فيوماً كلما نزلت آية ازدادوا إيماناً { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }التوبة. وكذلك الآيات الكونية تتجدد فكلما جاءت آية مطابقة لما أخبر الله ورسوله زادت المؤمن إيماناً ولهذا قال: { بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } ولم يقل: مؤمنون كما قال: مشفقون ، والإيمان يتكرر فكلما أتتهم آية كلما ازدادوا إيماناً قوله: { وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }...
أتى بالجملة الفعلية ولم يقل غير مشركين ، وذلك لأنهم لا يشركون في أي فعل يفعلونه لله ، فلا رياء عندهم ولا سمعة ولا يريدون الدنيا بعملهم إنما يريدون الله سبحانه.
قوله: { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ  وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وهذا الكتاب ما كتبته الملائكة من أعمال البني آدم ، فهو ينطق بالحق يوم القيامة ويقال للإنسان: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }الإسراء .
قال الحسن: لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك ، فأنت حاسب على نفسك لا تطلب محاسب ، وستجد أن الأمر كما كُتب.
قوله: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } وهذا كقوله في بداية الآيات { بَل لَّا يَشْعُرُونَ } وهنا قال: { فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا } أي قد حل بها ما غمرها ولم يتفطنوا لها.
{ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } هي أعمال الدنيا ، لذا قال: { مِّن دُونِ ذَٰلِكَ } إشارة لانحطاط رتبتها ، ثم قال: { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } جملة إسمية ، أي متقنون لها ، وقدم المفعول { لَهَا عَامِلُونَ } للدلالة على أنهم قد حصروا أنفسهم وعقولهم في هذه الأعمال الدنيوية.
قوله: قال ابن عُيينة: لم يعملوها لا بد من أن يعملوها. أي هم ما عملوها بعد ، لكن لا بد أن يعملوها ، أي أنهم مصرون عل عملها.


الحديث الأول


عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ).
فالغنى ليس بكثرة المال ، لكنه غنى النفس ن وغنى القلب ، فكم من إنسان عنده ملايين الملايين ، ومع ذلك يعمل عمل الفقير من شدة حرصه على المال وطلبه له ، وكم إنسان عنده دون ذلك بكثير تجده لا يهتم وتجده كريماً يُعطِي أكثر مما يعطي صاحب الأموال الكثيرة.
س: كيف نجمع بين كونهم في الآية يخشون القبول وبين الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي ) ؟
ج: أشرنا للجمع بينهما ، وذلك بحسن ظن العبد بربه وليس فيه سوء ظن بالله لكنه اتهام لأنفسهم بالتقصير ، فالمطلوب من الإنسان أن يحسن الظن بالله باعتبار قبوله لكن يخشى أنه مقصر ، أو عنده رياء ، أو عنده ابتداع ، فالإنسان لا يدري ن فلا يقل أحدهم أنا عملت فلا بد أن يقبل مني ، كما قال البدوي وهو يسعى: يا رب إن لم تغفر لي فلا بد أن تغفر ، فهذا لا يقال ، بل يتهم نفسه ، ويحسن الظن بالله ، فيقول مثلاً: أرجو أن يقبل الله مني ، وهذا إبراهيم عليه السلام وإسماعيل يرفعان القواعد من البيت ويقولان { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
س: هل للإنسان أن يدعو ويلح اللهم إن لم تغفر لي فاغفر لي ؟
ج: ما ينبغي هذا بل يعزم المسألة ، أو يقول كما قال الصالحون { لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف .


 (1) يا أبا ذَرٍّ ! أتَرَى كَثْرةَ المالِ هو الغِنَى ؟ قلتُ : نَعمْ يا رسولَ اللهِ ! قال : فَتَرَى قِلَّةَ المالِ هو الفقرَ ؟ قُلتُ : نَعمْ يا رسولَ اللهِ ! قال : إنَّما الغِنَى غِنَى القلبِ ، والفَقْرُ فَقْرُ القلبِ ثُمَّ سأَلَنِي عن رجلٍ من قُريْشٍ قال : هل تَعرِفُ فلانًا ؟ قُلتُ : نَعمْ يا رسولَ اللهِ ! قال : فكيفَ تَراهُ – أو تُراهُ ؟ قُلتُ : إذا سَألَ أُعطِىَ ، وإذا حَضَرَ أُدْخِلَ قال : ثُمَّ سَأَلَنِي عن رجلٍ من أهلِ الصُّفَّةِ ، فقال : هل تعرِفُ فلانًا ؟ ( قُلتُ : لا واللهِ ما أعرِفُهُ يا رسولَ اللهِ ! فما زالَ يُحَلِّيهِ ويَنْعتُه حتى عرفتُه فقلتُ : قد عرفتُه يا رسولَ اللهِ ! قال : فكيفَ تَراهُ – أو تُراهُ ؟ قُلتُ : هو رجلٌ مِسكينٌ من أهلِ الصُّفَّةِ قال : فهُو خيرٌ من طِلاعِ الأرضِ من الآخَرِ. قُلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أفَلا يُعطَى من بعضِ ما يُعطَى الآخَرُ ؟ فقال : إذا أُعطِيَ خيرًا فهُو أهلُه ، وإذا صُرِفَ عنهُ فقدْ أُعطِيَ حَسنةً
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 3203 | خلاصة حكم المحدث : صحيح


السبت، 3 سبتمبر 2016

اذْكُر لِـتُذْكَـر

اذْكُر لِـتُذْكَـر
 للشيخ /  عبد الرحمن بن عبد الله السحيم .

 
ذِكْر الإنسَان يَرْفَع ذِكْرَه
مَن ذَكَر الله في ملأ .. ذَكَره الله في ملأ خير منهم ..
يُذكَر ابن آدم باسْمِه في ملأ الملائكة ..
ومَن الذي يَذْكُره ؟
إنه رب العالمين .. وإله الأولين والآخِرين .. الذي بِيَدِه الـنَّفْع والضُّرّ .. وله مَقاليد الأمور ..
يقول رب العزّة سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :
أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يَذْكُرني ؛ إن ذَكَرَني في نَفسه ذَكَرْته في نفسي ، وإن ذَكَرَني في ملأ ذَكَرْته في ملأ هُم خَيْر مِنهم . رواه البخاري ومسلم .

قال الربيعُ بنُ أنس : إنَّ الله ذاكرٌ مَنْ ذكرهُ ، وزائدٌ مَنْ شكره ، ومعذِّبٌ مَن كَفَرَه .
قال ابن رجب : قال الله تعالى : (فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُم) وذِكْر الله لِعَبْدِه : هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته ومُبَاهاتهم به ، وتَنْويهه بِذِكْرِه . اهـ .

وأوصَى الألبيري ابنه فَكَان مما قال :
وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْضِ دَأْباً = لِتُذْكَرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا ذَكَرْتَا

إن ذِكْر الله تعالى أفضل الأعمال ، وارفعها في الدَّرَجات ، وأفضل مِن إنفاق الذهب والفضة ..
سأل النبي صلى الله عليه وسلم يوما أصحابه : أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه . وصححه الألباني والأرنؤوط .
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ .

وتنافس أغنياء الصحابة وفقراؤهم على الذِّكر ، وتسابقوا فيه ..
فقد أتَى فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ .
قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟
قَالُوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي , وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ , وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ , وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ , إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟
قَالُوا : بَلَى , يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ : ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً .
قَالَ أَبُو صَالِحٍ – أحد رواته - : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ , فَقَالُوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا , فَفَعَلُوا مِثْلَهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . رواه البخاري ومسلم .

قال ابن دقيق العيد : وَقَوْلُهُ : " لا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ " يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الأَذْكَارِ عَلَى فَضِيلَةِ الْمَالِ ، وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لِلأَغْنِيَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ لا يَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْفُقَرَاءُ . اهـ .

وقال ابن رجب : فَكَان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء ، ويَحْزَنُون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد ؛ لِعَدَم القُدْرَة على آلَتِه . اهـ .

وينبغي أن يُعْلَم أن ذِكْر الله على ثلاث مراتب :

المرتبة الأولى : ذِكْره عند أمْرِه ونَهْيِه ، امتثالا لأوامره ، وأداء لِفرائضه .
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)
وقوله عَزّ وَجَلّ : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)
قال مجاهد : أقِم الصلاة لِتَذْكُرني فيها .
قال القرطبي في تفسيره : اخْتُلِف في تأويل قوله : (لِذِكْرِي) ؛ فقيل : يُحْتَمل أن يُريد : لِتَذْكُرني فيها ، أو يُريد : لأذْكُرَك بِالْمَدْح في عليين بها .

المرتبة الثانية : ذِكْر الله عند نواهيه ، فيَحْمِل على الكفّ عن الفواحش ، والانتهاء عن المعاصي ، حياء مِن الله ، وإجلالاً له تبارك وتعالى .

ومِنه قوله عَزّ وَجَلّ : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
وفي قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار ، أن أحدهم توسَّل إلى الله بِتركه للحَرام واستعفافه عنه بعد أن قَدَر عليه .
ففي الحديث أنه قال : اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إليّ ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألَمَّتْ بها سَنة مِن السنين ، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ، ففعلت ، حتى إذا قَدرت عليها قالت : لا أُحِلّ لك أن تفض الخاتم إلاّ بِحَقِّه ، فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ ، وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها ... الحديث . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : فلما وَقَعت بين رجليها قالت : يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلاَّ بِحَقِّه ، فَقُمْت عنها ، فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ، ففُرِج لهم .

قال عمر رضي الله عنه : أفضل مِن ذِكْر الله باللسان ذِكْر الله عند أمْره ونَهْيِه .

ودَخَل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على سلمان يعوده ، فقال : يا أبا عبد الله اعْهَد إلينا بِعَهْد نأخذ به بعدك . قال : فقال : يا سعد اذْكُر الله عند هَمِّك إذا هَمَمْت ، وعند يَدك إذا قَسَمْت ، وعند حُكْمك إذا حَكَمْت .

المرتبة الثالثة : ذِكْر الله تعالى بالقلب واللسان ، وهو على مراتب :
الأولى : أن يكون انبعاث الذِّكْر مِن القلب تعظيما وحُبّا وحَمْدًا لله عَزّ وَجَلّ ثم يتبعه اللسان .
فهذه أفضل المراتب .
الثانية : أن يكون الذِّكْر باللسان ثم يتبعه القلب ، إذا تفكَّر في معاني الأذكار .
الثالثة : - وهي أضعف المراتب – وهي ذِكْر الله باللسان وحده ، وهذه يُؤجَر عليها صاحبها ، لقوله تعالى في الحديث القدسي : أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ . رواه الإمام أحمد ابن ماجه وابن حبان ، ورواه البخاري تعليقا . وصححه الألباني والأرنؤوط .

فَدُونك هذه العبادة التي لا تحتاج إلى جُهد ، ولا إلى مكان مُعين .. بل تَذكُر الله بلسانك وبِقَلبِك حيثما كُنت ..
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّب أصحابه بالذِّكْر .. فكان مما قاله عليه الصلاة والسلام : لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً .

وقال عليه الصلاة والسلام : خُذُوا جُنَّتَكُمْ .
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟
قَالَ : لاَ ، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ ؛ قَوْلُ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ . رواه النسائي في الكبرى والطبراني والحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه . وصححه الألباني .

وقال عليه الصلاة والسلام : لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ . رواه مسلم .

وإن أردت فوائد الذِّكْر ، فعليك بـ " الوابل الصيب " لابن القيم ، فقد ذَكَر أكثر مِن مائة فائدة لِذِكْر الله تعالى 




منقول  .....صيد الفوائد