الأحد، 12 يونيو 2016

فضائل الكلمات الأربع


فضائل الكلمات الأربع

إعداد/ د: أحمد عرفة
معيد بجامعة الأزهر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن من أعظم الطاعات والقربات لله تبارك وتعالى الإكثار من ذكره سبحانه ، فذكر الله تعالى غذاء الأرواح ، وشفاء القلوب ، وقرة عيون المحبين ، والذكر عبادة عظيمة سهلة ميسرة ، ولكن على من يسر الله عز وجل عليه ، وذكر الله تعالى منه ما هو مقيد أى له أوقات معينة ، وصيغ معينة ، وأماكن معينة ، ومنه ما هو مطلق يكون فى أى وقت ، وأى زمان ، وأى مكان ، ومن الذكر المطلق هذه الكلمات الأربع:(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر)
لها فضائل كثيرة بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة ، فهيا بنا نتعرف عليها فى هذه المقالة المتواضعة وبالله التوفيق.
إن لهذه الكلمات الأربع فضائل عظيمة فى السنة النبوية المطهرة منها:
 
1 ـ أنَّهنَّ أحب الكلام إلى الله:

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيّهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"([1]).
 
قال الإمام المناوي رحمه الله:

قوله صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله تعالى) أي المتضمن للأذكار والأدعية (أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) لتضمنها تنزيهه تعالى عن كل ما يستحيل عليه ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كما له وانفراده بوحدانيته واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته ولتفصيل هذه الجملة علم آخر (لا يضرك) أيها المتكلم بهن في حيازة ثوابهن (بأيهن بدأت) فلا ينقص ثوابها بتقديم بعضها على بعض لاستقلال كل واحد من الجمل لكن الأفضل ترتيبها هكذا([2]).
 
2ـ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنّهنَّ أحبُّ إليه مما طلعت عليه الشمس ( أي من الدنيا وما فيها):

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس"([3]).
قوله(أحب إلي مما طلعت عليه الشمس): أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها.
 
 قال الإمام ابن العربي رحمه الله:

 أطلق المفاضلة بين قول هذه الكلمات وبين ما طلعت عليه الشمس ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر.
 وأجاب بما حاصله أفعل قد يراد به أصل الفعل لا المفاضلة كقوله تعالى خير مستقرا وأحسن مقيلا ولا مفاضلة بين الجنة والنار وقيل يحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحب إلي من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها والحاصل أن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا([4]).
 
3 ـ ومن فضائلهن:

عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إنِّي قد كبرتُ وضعُفت ـ أو كما قالت ـ فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: "سبّحي اللهَ مائة تسبيحة، فإنَّها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لكِ مائة فرس مُسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكَبِّري اللهَ مائة تكبيرة فإنَّها تعدل لك مائة بدَنة مُقلّدة متقبّلَة، وهلِّلي مائة تهليلة ـ قال ابن خلف (الراوي عن عاصم) أحسبه قال ـ: تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به"([5]).
 
4 ـ ومن فضائل هؤلاء الكلمات : أنَّهنَّ مكفِّرات للذنوب:

عن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفِّرت عنه ذنوبُه ولو كانت أكثر من زَبَد البحر"([6]).
 
5 ـ ومن فضائل هؤلاء الكلمات : أنَّهنَّ غرس الجنة:

 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلامَ، وأخبِرهم أنَّ الجنةَ طيِّبةُ التربة، عذبةُ الماء، وأنَّها قيعان، غِراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"([7]).

قال الإمام المناوي رحمه الله :
قوله:(رأيت إبراهيم) الخليل (ليلة أسرى بي فقال يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان) جمع قاع وهو أرض مستوية لأبناء ولا غراس فيها (وغراسها) جمع غرس وهو ما يغرس (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها دخول الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه([8]).
 
6 ـ ومن فضائلهنَّ: أنَّه ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده:

 عن عبد الله بن شداد: أنَّ نفرًا من بني عُذْرَة ثلاثةً أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسلموا قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يكفينيهم" قال طلحةُ: أنا، قال: فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً فخرج فيه أحدُهم فاستشهدَ، قال: ثم بَعَثَ بعثاً آخر، فخرج فيهم آخر فاستشهد، قال: ثم مات الثالثُ على فراشه، قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استُشهد أخيرًا يليه، ورأيت الذي استُشهد أولَهم آخرَهم، قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنكرتَ من ذلك، ليس أحدٌ أفضل عند الله من مؤمن يُعمّرُ في الإسلام يَكثُر تكبيرُه وتسبيحُه وتهليله وتحميده"([9]).
 
7 ـ ومن فضائلهنَّ: أنَّ الله اختار هؤلاء الكلمات واصطفاهنَّ لعِباده، ورتّب على ذِكر الله بهنّ أجورًا عظيمةً، وثواباً جزيلاً:

عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كُتب له عشرون حسنة، وحُطّت عنه عشرون سيّئة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين مِن قِبَل نفسِهِ كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُطّ عنه ثلاثون خطيئة"([10]).
 
8 ـ ومن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ جُنّةٌ لقائلهنّ من النار، ويأتين يوم القيامة مُنجيات لقائلهنّ ومقدّمات له:

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خُذوا جُنَّتَكم"، قلنا: يا رسول الله من عدو قد حضر! قال: "لا، بل جُنَّتُكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنَّهنّ يأتين يوم القيامة منجيات ومقدّمات، وهنّ الباقيات الصالحات"([11]).
 
9 ـ ومن فضائلهنَّ: أنَّهنَّ يَنعَطِفْن حول عرش الرحمن ولهنّ دويٌّ كدويِّ النحل، يذكرن بصاحبهنّ:

 عن النعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، يَنعَطِفْن حول العرش لهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له، أو لا يزال له من يذكر به "([12]).
 
10 ـ ومن فضائلهنَّ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّهنّ ثقيلاتٌ في الميزان:

عن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بَخٍ بَخٍ، ـ وأشار بيده بخمس ـ ما أثقلهنّ في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولدُ الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبُه"([13]).
 
11ـ ومن فضائلهن: أنَّ للعبد بقول كلِّ واحدة منهنّ صدقة:

 روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه: أنَّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدُّثور بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضولِ أموالهم. قال: "أوَ ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلةٍ صدقة، وأمرٍ بالمعروف صدقة، ونهيٍ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ"([14]).
 
12 ـ ومن فضائلهن : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهنّ عن القرآن الكريم في حقِّ من لا يُحسنه:

 عن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي لا أستطيع أن أتعلّمَ القرآنَ، فعلِّمني شيئا يُجزيني. قال: "تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". فقال الأعرابي: هكذا ـ وقبض يديه ـ فقال: هذا لله، فمَا لي؟ قال: "تقول: اللّهمّ اغفر لي وارْحمني وعافِني وارْزقني واهْدِني"، فأخذها الأعرابيُّ وقبض كفّيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد مَلأَ يديه بالخير"([15]).

كانت هذه بعض فضائل هذه الكلمات الأربع التى بين لنا فيها النبى صلى الله عليه وسلم ثواب المحافظة عليها ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل بها ، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال ، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح اللهم آمين.


والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

 

----------------------------------
([1])أخرجه مسلم فى صحيحه  - كتاب الآداب- باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه - حديث:‏4079‏ .
([2])التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ1صـ79 .
([3])أخرجه  مسلم فى صحيحه - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء - حديث:‏4968‏ .
([4]) تحفة الأحوذي : جـ10 صـ40 .
([5])مسند أحمد بن حنبل  - مسند الأنصار-مسند النساء -  حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها واسمها فاختة حديث:‏26340‏وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترغيب (1553)
([6])المستدرك على الصحيحين للحاكم  - بسم الله الرحمن الرحيم أول كتاب المناسك- كتاب الدعاء  - حديث:‏1792‏ وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترغيب(1569)0
([7])سنن الترمذي  الجامع الصحيح  - الذبائح- أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -  باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد- حديث:‏3467‏ وحسنه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى (3462) ، وصحيح الجامع (5152)0
([8]) التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ2 صـ49 .
([9])مسند أحمد بن حنبل  - مسند العشرة المبشرين بالجنة- مسند باقي العشرة المبشرين بالجنة -  مسند أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه حديث:‏1366‏وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب(3367) ، وصحيح الجامع (5371) .
([10])مسند أحمد بن حنبل  - ومن مسند بني هاشم- مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - حديث:‏11091‏وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (1718)0
([11]) المستدرك على الصحيحين للحاكم  - بسم الله الرحمن الرحيم أول كتاب المناسك- وأما حديث رافع بن خديج - حديث:‏1928‏وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب (1567) ، وصححه فى صحيح الجامع (3214)0
([12])سنن ابن ماجه  - كتاب الأدب- باب فضل التسبيح - حديث:‏3807‏ وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة (3877) ، وصحيح الترغيب والترهيب (1568)0
([13])صحيح ابن حبان  - كتاب الرقائق- باب الأذكار -  ذكر استحباب الإكثار للمرء من التسبيح والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير لله حديث:‏833‏ وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب(1557،2009) ، وصحيح الجامع (2817)0
([14])صحيح مسلم  - كتاب الزكاة- باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف- حديث:‏1736‏ .
([15])سنن الدارقطني  - كتاب الصلاة-  باب ما يجزيه من الدعاء عند العجز عن قراءة فاتحة الكتاب - حديث:‏1034‏ . 



الجمعة، 3 يونيو 2016

كيف نستقبل رمضان؟

 

كيف نستقبل رمضان؟

 


حلُّ علينا ضيفٌ عزيز، وزائرٌ عظيم، يُظِلُّنا مرةً كل سنة، ضيف حُقَّ لنا أن نستبشر به، ويهنِّئ بعضُنا بعضًا به، إنه شهرُ رمضان المبارك، الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر صحابتَه بقدومه، فيقول لهم: ((أتاكم رمضانُ، شهرٌ مبارك، فرَضَ الله - عز وجل - عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرم))؛ "صحيح سنن النسائي".

فهنيئًا لمن أدرك رمضان، وبُشرى لمن بلَّغه اللهُ رمضانَ، قال ابن رجب: "كيف لا يُبشَّر المؤمنُ بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان؟! من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟!".

ولأن السَّلَف الصالح خَبَرُوا قيمة رمضان؛ فقد كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، ويسألون الله - تعالى - أن يعيشوا لرمضان المقبل، حتى يَعُبُّوا من الخير والفضل، قال مُعَلَّى بن الفضل: "كانوا يدْعون الله ستةَ أشهر أن يبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم"، وكان يحيى بن أبي كثير يقول: "اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبَّلاً".

قال ابن رجب: "بلوغُ شهر رمضان وصيامُه نعمةٌ عظيمة على مَن أقدره الله عليه، ويدلُّ عليه حديث الثلاثة الذين استُشهد اثنانِ منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فَرُئِي في النوم سابقًا لهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاةً، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعدَ مما بين السماء والأرض))"؛ "صحيح سنن ابن ماجه".

فمن فضْل الله عليك، ومحبتِه لك: أنْ نَسَأَ في حياتك، حتى تتزوَّد من خير رمضان هذه السنة؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فلا يظفر بنعمة إدراك رمضان، والاغتراف من خيراته، إلا المبشَّرون برحمة الله.

فافرحْ بقدوم رمضان، واستعدَّ له بترك المعاصي، ومضاعفة القربات، والإخلاص في الطاعات، فكم من متشوفٍ إليه أقعده عن صيامه المرضُ! وكم من منتظِرٍ له باغتَهُ الموتُ وألمَّ به الأجل! فإن شخصًا واحدًا يموت في العالم كل نصف ثانية؛ أي: في نصف ساعة يموت قرابة 3600 شخص، وامرأة تموت كل دقيقة بسبب الحمل أو الولادة، ومتوسط العمر في بلدنا لا يزيد عن 25 %، ولا يعيش فوق الستين عندنا إلا 8 %، فهذه فرصتك في رمضان، حيث أخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بأنه إذا جاء ((فتِّحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين))؛ متفق عليه، وهو محمول على الحقيقة؛ ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتقل المعاصي، وتحبس الشياطين عن أذى المؤمنين وإغوائهم.

فمن رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم فهو المحروم، ومن لم يتزود منه لآخرته فهو المذموم الملوم.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعِد المنبرَ فقال: ((آمين، آمين، آمين))، قيل: يا رسول الله، إنك صعِدتَ المنبر فقلت: ((آمين، آمين، آمين))؟ فقال: ((إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار، فأبعده الله، فقلت: أمين، قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت:آمين))؛ "صحيح الترغيب".

فاستجِب لنداء: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، كفاك ما ارتكبتَ في رجب فلم تتب، وما اقترفتَ في شعبان فلم تُقلع، فهذا رمضان فاتَّق الله.

يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ
حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْرِ شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَا
فَلاَ تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَانِ

انظر إلى عظم هذه البشارات التي يحملها رمضان إلينا:
1- شهر القرآن الكريم: قال - تعالى -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، قال ابن كثير: "يمدح - تعالى - شهرَ الصيام من بين سائر الشهور، بأنِ اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم".

2- قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه، فرمضانُ محرقةٌ للذنوب، ومطهرةٌ من الآثام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))؛ مسلم.

قال القرطبي: "قيل: إنما سمي رمضان؛ لأنه يَرمَض الذنوب؛ أي: يحرقها بالأعمال الصالحة".

3- رمضان عتق من النار: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - تعالى - عتقاءَ في كل يوم وليلة، لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة))؛ "صحيح الجامع"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - تعالى - عند كل فطرٍ عتقاءَ من النار، وذلك في كل ليلة))؛ "صحيح الجامع".

4- تدريب على الإخلاص والبعد عن الرياء: يقول الله - تعالى - في الحديث القدسي: ((يَتركُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))؛ البخاري.

ومعنى: "الصوم لي" أنه سرٌّ بين العبد وربه، لا يدخله الرياءُ؛ أي: لا تَدخله المُقاصَّةُ يوم القيامة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لكل عملٍ كفارةٌ، والصوم لي وأنا أجزي به))؛ البخاري، قال سفيان بن عيينة: "هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسِب الله - تعالى - عبدَه، ويؤدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمَّل الله - تعالى - ما بقي عليه من المظالم، ويُدخله بالصوم الجنة"؛ ذكره البيهقي في "الشعب".

فلا تعجب إذًا إذا علمتَ أن داود بن أبي هند: "صام أربعين سنة، لا يَدري عنه أهلُه ولا أهلُ السوق، يحمل غذاءه معه، فيتصدق به، فيظن أهلُه أنه أكل في السوق، ويظن أهلُ السوق أنه أكل عند أهله".

فاللهم بلِّغنا رمضان، وتقبله منا، آمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

إذا رأيتَ هلال رمضان، فادعُ بما سنَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: ((اللهم أَهِلَّهُ علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله))؛ "صحيح سنن الترمذي".

احرص على تبييت نيَّة الصوم من الليل، وتناول السَّحور - ولو جرعةَ ماء - مع تأخيره إلى قبيل الفجر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّحُور أَكْلُهُ بركة؛ فلا تَدَعوه ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحرين))؛ "صحيح الجامع"، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكلةُ السحر))؛ مسلم.

ومن السنة أيضًا تعجيلُ الفطر بمجرد سماعك كلمة (الله أكبر) من الأذان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر))؛ متفق عليه.

وادعُ عند إفطارك لنفسك بالفلاح، ولأبنائك وإخوانك بالصلاح، ولسائر المسلمين بالنصر والتمكين؛ فإن للصائم المخلص دعوةً لا تُردُّ؛ كما في الحديث: ((ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))؛ "صحيح الجامع"، وفي حديث: ((دعوة المظلوم)).

فإذا أفطرتَ فادعُ بما كان يدعو به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: ((ذهب الظمأُ، وابتلَّت العروقُ، وثبت الأجرُ إن شاء الله))؛ "صحيح سنن أبي داود".


منقول 
 

 

فضلْ شهرْ رمضَان

فضلْ شهرْ رمضَان

المصدر: موقع الشيخ ابن عثيمين
 
 
 
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 6 8]، خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى، وبَعَثَ نُوحًا فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى، ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْدًا وسلامًا عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى، وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى، وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى، وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا، وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى، وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثًا يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليمًا.

إخواني: لقد أظَلَّنَا شهرٌ كريم، وموسمٌ عظيم، يُعَظِّمُ اللهُ فيه الأجرَ ويُجْزلُ المواهبَ، ويَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ فيه لكلِ راغب، شَهْرُ الخَيْراتِ والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرة والعتقِ من النارِ، أوَّلُهُ رحمة، وأوْسطُه مغفرةٌ، وآخِرُه عِتق من النار. اشْتَهَرت بفضلِهِ الأخبار، وتَوَاتَرَت فيه الاثار، ففِي الصحِيْحَيْنِ: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلّم - قال: ((إِذَا جَاءَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ الشَّياطينُ)). وإنما تُفْتَّحُ أبوابُ الجنة في هذا الشهرِ لِكَثْرَةِ الأعمالِ الصَالِحَةِ وتَرْغِيبًا للعَاملِينْ، وتُغَلَّقُ أبوابُ النار لقلَّة المعاصِي من أهل الإِيْمان، وتُصَفَّدُ الشياطينُ فَتُغَلُّ فلا يَخْلُصونُ إلى ما يَخْلُصون إليه في غيرِه.
وَرَوَى الإِمامُ أحمدُ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلّم - قال: ((أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها؛ خُلُوف فِم الصائِم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، وتستغفرُ لهم الملائكةُ حَتى يُفطروا، ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مَرَدةُ الشياطين فلا يخلُصون إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرهِ، ويُغْفَرُ لهم في آخر ليلة، قِيْلَ يا رسول الله أهِيَ ليلةُ القَدْرِ؟ قال: لاَ ولكنَّ العاملَ إِنما يُوَفَّى أجْرَهُ إذا قضى عَمَلَه))[1].

إخواني: هذه الخصالُ الخَمسُ ادّخَرَها الله لكم، وخصَّكم بها مجالس شهر رمضان مِنْ بين سائِر الأمم، وَمنَّ عليكم ليُتمِّمَ بها عليكُمُ النِّعَمَ، وكم لله عليكم منْ نعم وفضائلَ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

الخَصْلَةُ الأولى:
 
أن خُلوفَ فَمِ الصائِم أطيبُ عند الله مِنْ ريحِ المسك[2]، والخُلوف بضم الخاءِ أوْ فَتْحَها تَغَيُّرُ رائحةِ الفَم عندَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ من الطعام. وهي رائحةٌ مسْتَكْرَهَةٌ عندَ النَّاس لَكِنَّها عندَ اللهِ أطيبُ من رائحَةِ المِسْك لأنَها نَاشِئَةٌ عن عبادة الله وَطَاعَتهِ. وكُلُّ ما نَشَأَ عن عبادته وطاعتهِ فهو محبوبٌ عِنْدَه سُبحانه يُعَوِّضُ عنه صاحِبَه ما هو خيرٌ وأفْضَلُ وأطيبُ. ألا تَرَوْنَ إلى الشهيدِ الذي قُتِلَ في سبيلِ اللهِ يُريد أنْ تكونَ كَلِمةُ اللهِ هي الْعُلْيَا يأتي يوم الْقِيَامَةِ وَجرْحُه يَثْعُبُ دمًا لَوْنُهَ لونُ الدَّم وريحُهُ ريحُ المسك؟ وفي الحَجِّ يُبَاهِي اللهُ الملائكة بأهْل المَوْقِفِ فيقولُ سبحانَه: ((انْظُرُوا إلى عبادِي هؤلاء جاؤوني شُعْثًا غُبْرًا)). رواه أحمد وابن حبَّان في صحيحه[3]، وإنما كانَ الشَّعَثُ محبوبًا إلى اللهِ في هذا الْمَوْطِنِ لأنه ناشِأُ عَن طاعةِ اللهِ باجتنابِ مَحْظُوراتِ الإِحْرام وترك التَّرَفُّهِ.

الخَصْلَةُ الثانيةُ:
 
أن الملائكةَ تستغفرُ لَهُمْ حَتَّى يُفْطروا. وَالملائِكةُ عبادٌ مُكْرمُون عند اللهِ {لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. فهم جَديْرُون بأن يستجيبَ الله دُعاءَهم للصائمينَ حيث أذِنَ لهم به. وإنما أذن الله لهم بالاستغفارِ للصائمين مِنْ هذه الأُمَّةِ تَنْويهًا بشأنِهم، ورفْعَةً لِذِكْرِهِمْ، وَبَيانًا لفَضيلةِ صَوْمهم، والاستغفارُ: طلبُ الْمغفِرةِ وهِي سَتْرُ الذنوب في الدُّنْيَا والآخِرَةِ والتجاوزُ عنها. وهي من أعْلىَ المطالبِ وأسْمَى الغَاياتِ فَكلُّ بني آدم خطاؤون مُسْرفونَ على أنفسِهمْ مُضْطَرُّونَ إلَى مغفرة اللهِ عَزَّ وَجَل.

الخَصْلَةُ الثالثةُ:
 
أن الله يُزَيِّنُ كلَّ يوم جنَّتَهُ ويَقول: ((يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُوا عنهُمُ المَؤُونة والأَذَى ويصيروا إليك)) فَيُزَيِّن تعالى جنته كلَّ يومٍ تَهْيئَةً لعبادِهِ الصالحين، وترغيبًا لهم في الوصولِ إليهَا، ويقولُ سبحانه: ((يوْشِك عبادِي الصالحون أنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ المؤونةُ والأَذَى)) يعني: مؤونَة الدُّنْيَا وتَعَبها وأذاهَا ويُشَمِّرُوا إلى الأعْمَالِ الصالحةِ الَّتِي فيها سعادتُهم في الدُّنْيَا والاخِرَةِ والوُصُولُ إلى دار السَّلامِ والْكَرَامةِ.

الخَصْلَةُ الرابعة:
 
أن مَرَدةَ الشياطين يُصَفَّدُون بالسَّلاسِل[4] والأغْلالِ فلا يَصِلُون إِلى ما يُريدونَ من عبادِ اللهِ الصالِحِين من الإِضلاَلِ عن الحق، والتَّثبِيطِ عن الخَيْر. وهَذَا مِنْ مَعُونةِ الله لهم أنْ حَبَسَ عنهم عَدُوَّهُمْ الَّذِي يَدْعو حزْبَه ليكونوا مِنْ أصحاب السَّعير. ولِذَلِكَ تَجدُ عنْدَ الصالِحِين من الرَّغْبةِ في الخَيْرِ والعُزُوْفِ عَن الشَّرِّ في هذا الشهرِ أكْثَرَ من غيره.

الخَصْلَةُ الخامسةُ:
 
أن الله يغفرُ لأمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلّم - في آخرِ ليلةٍ منْ هذا الشهر[5] إذا قَاموا بما يَنْبَغِي أن يقومُوا به في هذا الشهر المباركِ من الصيام والقيام تفضُّلاً منه سبحانه بتَوْفَيةِ أجورِهم عند انتهاء أعمالِهم فإِن العاملَ يُوَفَّى أجْرَه عند انتهاءِ عمله.
 

وَقَدْ تَفَضَّلَ سبحانه على عبادِهِ بهذا الأجْرِ مِنْ وجوهٍ ثلاثة:
 
 
الوجه الأول: أنَّه شَرَع لهم من الأعْمال الصالحةِ ما يكون سبَبًَا لمغَفرةِ ذنوبهمْ ورفْعَةِ درجاتِهم. وَلَوْلاَ أنَّه شرع ذلك ما كان لَهُمْ أن يَتَعَبَّدُوا للهِ بها. فالعبادةُ لا تُؤخذُ إِلاَّ من وحي الله إلى رُسُلِه. ولِذَلِكَ أنْكَرَ الله على مَنْ يُشَّرِّعُونَ مِنْ دُونِه، وجَعَلَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنْ الشَّرْك، فَقَالَ سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21].
 

الوجه الثاني: أنَّه وَفَّقَهُمْ للعملِ الصالح وقد تَرَكَهُ كثيرٌ من النَّاسِ. وَلَوْلا مَعُونَةُ الله لَهُمْ وتَوْفِيْقُهُ ما قاموا به. فلِلَّهِ الفَضْلُ والمِنَّة بذلك.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلاِْيمَانِ إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17].

الوجه الثالث: أنَّه تَفَضَّلَ بالأجرِ الكثيرِ؛ الحَسنةُ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ. فالْفَضلُ مِنَ الله بِالعَمَلِ والثَّوَابِ عليه. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
 
 

إخْوانِي: بُلُوغُ رمضانَ نِعمةٌ كبيرةٌ عَلَى مَنْ بَلَغهُ وقَامَ بحَقِّه بالرِّجوع إلى ربه من مَعْصِيتهِ إلى طاعتِه، ومِنْ الْغَفْلةِ عنه إلى ذِكْرِهِ، ومِنَ الْبُعْدِ عنهُ إلى الإِنَابةِ إِلَيْهِ:
يَا ذَا الَّذِي مَا كفاهُ الذَّنْبُ في رَجبٍ        حَتَّى  عَصَى  ربَّهُ  في  شهر  شعبانِ
لَقَدْ  أظَلَّكَ  شهرُ   الصَّومِ   بَعْدَهُمَا        فَلاَ   تُصَيِّرْهُ   أَيْضًا   شَهْرَ   عِصْيانِ
وَاتْل   القُرآنَ   وَسَبِّحْ   فيهِ   مجتَهِدًا        فَإِنه      شَهْرُ      تسبِيحٍ      وقُرْآنِ
كَمْ كنتَ تعرِف مَّمنْ صَام في سَلَفٍ        مِنْ   بين   أهلٍ   وجِيرانٍ   وإخْوَانِ
أفْنَاهُمُ   الموتُ   واسْتبْقَاكَ   بَعْدهمو        حَيًَّا فَمَا أقْرَبَ  القاصِي  من  الدانِي
اللَّهُمَّ أيْقِظنَا من رَقَدَات الغفلة، ووفْقنا للتَّزودِ من التَّقْوَى قَبْلَ النُّقْلَة، وارزقْنَا اغْتِنَام الأوقاتِ في ذيِ المُهْلَة، واغْفِر لَنَا ولوَالِدِيْنا ولِجَمِيع المسلِمِين برَحْمتِك يا أَرحم الراحِمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيَّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِهِ أجمعين.
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــ
 
[1] رواه البزار والبيهقي في كتاب الثواب وإسناده ضعيف جدًا، لكن لبعضه شواهد صحيحة.
[2] رواه البخاري ومسلم بدون تخصيص بهذه الأمة.
[3] صحيح بشواهده.
[4] رواه البخاري ومسلم بلفظ: "صفدت الشياطين"، وابن خزيمة بلفظ: "الشياطين مردة الجن" ، وفي رواية النسائي: "مردة الشياطين".
وكلها من حديث أبي هريرة بدون تخصيص بهذه الأمة.
[5] روى نحوه البيهقي من حديث جابر قال المنذري: "وإسناده مقارب أصلح مما قبله" يعني حديث أبي هريرة الذي في الأصل.
 
 
 


#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*

(1) أُعطِيَتْ أُمَّتي خمسَ خِصالٍ في رمضانَ لم تُعطَهُنَّ أمةٌ قبلَهم : خلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عند الله من ريحِ المسكِ . وتستغفرُ لهم الملائكةُ حتى يُفطِروا . ويُزيِّنُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلَّ يومٍ جنَّتَه ثم يقولُ : يوشِكُ عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤنَةَ ويصيروا إليك . وتصفَّدُ فيه مرَدَةُ الشياطينِ فلا يخلُصوا فيه إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرِه . ويُغفَر لهم في آخرِ ليلةٍ قيل : يا رسولَ اللهِ أهي ليلةُ القدرِ ؟ قال : لا ، ولكنَّ العاملَ إنما يُوفَّى أجرَه إذا قضى عملَه
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : ضعيف الترغيب
الصفحة أو الرقم: 586 | خلاصة حكم المحدث : ضعيف جداً