حارثة
بن سراقة رضي الله عنه
نبذة
عن كيفية ترتيب ذكر الصحابة رضي الله عنهم
(1)
أما
عن ترتيب الكتاب فقد أوردنا فيه فضائل عامة في الصحابة جملة ثم عقبنا بفضائل
العشرة المبشرين بالجنة وإن كان هناك جم غفير مبشر بالجنة غير العشرة رضي الله
عنهم بل وفي غير العشرة من هو خير من بعض العشرة كمصعب بن عمير رضي الله عنه
وكحمزة رضي الله عنه ففيهما يقول عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة :- قتل حمزة وهو
خير مني وقتل مصعب وهو خير مني على ما سيأتي في فضائلهما إن شاء الله تعالى .
ولكننا
قدمنا العشرة متأسين بأكثر السلف في تصانيفهم مثل المسانيد والمعاجم وغير ذلك ثم
أتبعناهم بمن نراه أفضل ( أي أن الترتيب من ناحية الأفضلية ) في كثير من الأحيان
وفي بعض الأحيان تتدخل اعتبارات أخرى ككثرة الفضائل الواردة في الصحابي أو سبقه
إلى الإسلام أو بعده عن الفتن أو موته شهيدا أو غير ذلك .
وأيضا
فإننا قدمنا المهاجرين بصفة عامة أولا لتقديم الله سبحانه وتعالى لهما كما في قوله
تعالى ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ).أ.هــ
التعريف
بالصحابي
حارثة
بن سراقة رضي الله عنه ص 277
حارثة
بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
الأنصاري الخزرجي النجاري. وأمه الربيع بنت النضر (2) عمة أنس بن مالك .
قال
الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه
حدثني
عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو اسحاق عن حميد قال سمعت أنسا رضي
الله عنه يقول :-
أُصيبَ
حارِثَةُ يومَ بدرٍ وهو غُلامٌ، فجاءَتْ أمُّه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم فقالتْ : يا رسولَ اللهِ، قد عرَفتَ مَنزِلَةَ حارِثَةَ مني، فإن يكُ في
الجنةِ أصبِرْ وأحتَسِبْ، وإن تكُنِ الأخرى ترَ ما أصنَعُ ؟ فقال : ( وَيحَكِ،
أوَهَبِلتِ، أوَجنةٌ واحدةٌ هي ؟ إنها جِنانٌ كثيرةٌ، وإنه لفي جنةِ الفِردَوسِ )
.(3)
فضل
عاصم بن ثابت وخبيب رضي الله عنهما
التعريف
بالصحابيين :-
عاصم
بن ثابت :- هو
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك ابن أمية ابن ضبيعة بن
بدر بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه .
خبيب
رضي الله عنه : هو
خبيب بن مالك بن عامر بن مجدعه بن جحجبي بن عوف بن كلفة ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري .
قال
الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه
حدثنا
موسى بن اسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب قال أخبرني عمرو بن جارية الثقفي
حليف بني زهرة – وكان من أصحاب أبي هريرة – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :-
بعث
رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عشرَةَ عَيْنًا، وأمَّرَ عليهِم عاصِمَ بنَ
ثابِتٍ الأنْصاريَّ جدَّ عاصِمِ بنِ عُمرَ ابنِ الخطَّابِ، حتى إذا كانوا
بالْهَدأةِ بينَ عُسْفانَ ومكة، ذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذَيلٍ يُقالُ له بَنو
لِحْيانَ، فنَفَروا لهم بقَريبٍ مِن مائةِ رَجُلٍ رامٍ، فاقْتَصُّوا آثارَهُمْ حتى
وجدوا مأكلهُمُ التمرَ في منزِلٍ نَزَلوهُ، فقالوا : تمرَ يَثْرِبَ، فاتبعوا
آثارَهُم، فلما حَسَّ بهم عاصِمٌ وأصْحابهُ لَجؤوا إلى مَوضِعٍ فأحاطَ بهم
القَومُ، فقالوا لهم : انزِلوا فأعطوا بأيديكُم، ولكم العَهْدُ والميثاقُ : أن لا
نقتلَ منكم أحدًا . فقال عاصمُ بنُ ثابتٍ : أيها القوم أما أنا فلا أنزلُ في
ذِمَّةِ كافرٍ، ثم قال : اللَّهُمَّ أخبِرْ عنَّا نبيَّكَ صلى اللهُ عليه وسلم ،
فرَموهُ بالنَّبْلِ فَقَتَلوا عاصمًا، ونزل ثلاثةُ نَفَرٍ على العَهدِ والميثاقِ،
منهم خُبَيبٌ وزَيدُ ابنُ الدَّثِنَةِ ورجلٌ آخرُ، فلما استَمْكَنوا منهم أطْلَقوا
أوْتارَ قِسِيِّهم فرَبَطوهم بها . قال الرجلُ الثالثُ : هذا أولُ الغدرِ، والله
لا أصحَبُكم، إن لي بهؤلاءِ أُسْوَةً، يُريدُ القتلى، فجَرَّروهُ وعالَجوهُ فأبَى
أنْ يصحَبَهم، فانطُلِقَ بخُبَيبٍ وزيدِ بنِ الدَّثِنَةِ حتى باعوهَما بعدَ وقعة
بدرٍ، فابتاع بنو الحارثِ بن عامرِ بنِ نَوْفَلٍ خُبَيبًا ، وكان خُبَيبٌ هو قتلَ
الحارثَ بن عامر يومَ بدرٍ، فلبث خُبَيبٌ عِندَهم أسير حتى أجمعوا قتلهُ، فاستعارَ
من بعضِ بناتِ الحارِث موسى يَسْتَحِدُّ بها فأعارَتْهُ، فدرجَ بُنَيُّ لها وهي
غافلةٌ حتى أتاهُ، فوجدَتهُ مُجْلِسَهُ على فخذهِ والموسى بيدهِ، قالتْ :
فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَها خُبَيْبٌ، فقال : أتَخْشَينَ أن أقتُلَهُ ؟ ما كنتُ
لأفعل ذلك، قالتْ : والله ما رأيت أسيرًا قَطُّ خيرًا من خُبَيبٌ، والله لقد
وجَدْتُهُ يومًا يأكلُ قِطْفًا مِن عِنَبٍ في يدهِ، وإنه لَموثَقٌ بالحَديدِ، وما
بمكة من ثمرةٍ، وكانت تقول : إنه لَرِزقٌ رَزَقَهُ الله خُبَيبًا، فلما خرجوا به
من الحرمِ، ليقتُلوه في الحِلِّ، قال لهم خُبَيبٌ : دعوني أُصلي ركعتينِ، فترَكوهُ
فركعَ ركعتينِ، فقال : والله لولا أنْ تحسِبوا أنْ بي جزَعٌ لزِدْتُ، ثم قال :
اللَّهُمَّ أحْصِهِم عَدَدًا، واقْتُلهم بِدَدًا ولا تُبْقِ منهم أحدًا، ثم أنشأ
يقول :
فلستُ
أُبالي حينَ أُقتَلُ مُسلمًا *** على أيِّ جَنْبٍ كان لله مَصْرَعي .
وذلك
في ذاتِ الإله وإنْ يشأ *** يُبارِكُ على أوْصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ .
ثم
قام اليه أبو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بنُ الحَرِثِ فقَتَلهُ، وكان خُبَيْبٌ هو سَنَّ
لكلِّ مُسلمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاةَ، وأخبر - يعني النبي صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم ؟ أصحابه يومَ أُصيبوا خبرَهُم، وبعث ناسٌ من قُرَيْشٍ إلى عاصمِ بنِ
ثابِتٍ - حين حُدِّثُوا أنهُ قُتِلَ - أن يُؤْتُوا بشَيءٍ منهُ يُعرَفُ، وكان قتل
رجلًا عظيمًا من عُظمائهِم، فبعثَ الله لعاصمٍ مثل الظلةِ مِن الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ
من رسُلِهم، فلم يقدروا أنْ يَقْطَعُوا منه شيئًا . وقال كعبُ بنِ مالكٍ : ذكروا
مُرارَةُ بنُ الرَّبيعِ الْعمِريُّ، هلالُ بنُ أُميَّةَ الواقِفيُّ، رجلٌين
صالحين،قد شهِدا بَدرً.
(4)
شرح
الحديث
للشيخ
محمد صالح المنجد حفظه الله .
^*^*^*^*^*^
الحمد
لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه القصة التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- هي قصةٌ من قصص الصحابة رضي الله
عنهم مما حصل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تبين شيئاً من تضحيات أولئك
النفر العظام في سبيل هذا الدين، وكيف اصطفى الله منهم شهداء. وقد روى هذه القصة
الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: المغازي من صحيحه، وفي كتاب: الجهاد
والسِّيَر، و أبو داوُد رحمه الله في كتاب: الجهاد من سننه، وكذلك أخرجها الإمام
أحمد رحمه الله تعالى. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (بعث النبي صلى الله عليه
وسلم سريةً عيناً -عشرة رهط- وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا حتى إذا كانوا
بـالهدَأة بين عُسْفان و مكة -اسم موضع- ذُكِروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو
لِحْيان -وبنو لِحْيان كانوا مشركين- فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فتتبعوا آثارهم
حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر
يثرب ، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد ...)
وهو المكان المرتفع عن الأرض، حيث حاصر المشركون هؤلاء العشرة المسلمون في هذه
الغزوة وهي غزوة الرجيع.
وجاء
القوم فأحاطوا بهم فقالوا -أي: المشركون-: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا
نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم -وهو أمير السرية-: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر،
اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب ،
و زيد ، ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق، نزلوا
إليهم ...) نزل المسلمون الثلاثة إليهم، وقد عنون البخاري رحمه الله على هذه القصة
بسؤال: هل يستسلم المسلم للكفار أم لا؟ هل يرضى بالأسر أم لا يرضى، أم يقاتل حتى
يُقتل؟
فلما
استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها -ربطوا المسلمين بوتر القوس- فقال
الرجل الثالث -المسلم- الذي معهما: هذا أول الغدر -ربطنا معناه: غدر- فأبى أن
يصحبهم، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل -رفض الانقياد- فقتلوه، وانطلقوا
بـخبيب و زيد حتى باعوهما بـمكة -من كفار قريش- فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر
بن نوفل، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر، فأهل الحارث المشرك اشتروا خبيباً
لينتقموا منه ويقتلوه- فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا على قتله استعار مُوسَىً
من بعض بنات الحارث - موسىً ليستحدَّ بها -أي: ليحلق العانة- فأعارته، قالت
المرأة
-التي كانت مشركة-: فغفلت عن صبي لي فدَرَج إليه -حبا إلى مكان موضع الأسير
المسلم- فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعةً عـرف ذاك مني
-عرف أني الآن فزعةٌ على الولد- وهو في يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت
لأفعل ذاك إن شاء الله، وكانت تقـول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب ، لقد رأيته
يأكل من قطف عنب وما بـمكة يومئذٍ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق
رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم،
فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدتُ -أي: على ركعتين- فكان أول من سن
الركعتين عند القتل، ثم قال: اللهم احصهم عدداً، ثم قال:
ولست
أبالي حين أُقتل مسلماً على
أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك
في ذات الإله وإن يشـأ
يبارك
على أوصال شلوٍ ممزَّعِ (5)
ثم
قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم -أمير السرية الذي قُتل في
الطريق- ليؤتَوا بشيء من جسده يعرفونه -يقطعوا قطعة من جسده وهو ميت- وكان عاصم قد
قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبْر -سحابة من
زنابير النحل تغطي جسده، وتظله- فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء) ما
استطاعوا مطلقاً أن يأخذوا قطعة من جسده.(أ.هــ حفظه الله )(6)
(1) بالكتاب صـــــــــــــــــ11.
(2) أنَّ الرُّبَيِّعَ عمَّتَه
كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جاريةٍ ، فطلَبوا إليها العفوَ فأبَوا ، فعرَضوا الأَرْشَ
فأبَوا ، فأتَوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبَوا إلا القِصاصَ ، فأمَر
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالقِصاصِ ، فقال أنسُ بنُ النَّضرِ : يا
رسولَ اللهِ ، أتُكسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ ؟ لا والذي بعَثك بالحقِّ لا
تُكسَرُ ثَنِيَّتُها ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( يا أنسُ ،
كتابُ اللهِ القِصاصُ ) فرضي القومُ فعفَوا ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم : ( إنَّ من عبادِ اللهِ مَن لو أقسَم على اللهِ لأبَرَّه ) .
الراوي:
أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4500 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
(3)
الراوي: أنس بن مالك
المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6550- خلاصة حكم
المحدث: صحيح.
(4)الراوي: أبو هريرة المحدث:
البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3989- خلاصة حكم المحدث: صحيح .
(5) الأوصال: جمع وصل، والوصل: هو العضو.
والشلو:
الجسد. ممزَّعِ: مقطع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق