الاثنين، 10 أغسطس 2015

حر الصيف .. عبر وأحكام



حر الصيف .. عبر وأحكام


نعيش في هذه الأيام مع أشد فصول العام حرارة؛ حيث يعاني الناس فيه الحر والتعب؛ فالشمس فيه تزداد توهجًا وسطوعًا، وترسل سياط لهيبها موجعة للأبدان، فيهرب الناس منها يلتمسون الظل الظليل، والماء البارد، والهواء العليل.

والمؤمن يعيش حياته دائمًا في حالة تفكر واعتبار، واتعاظ فإبصار، فيرى آيات الله في كل من حوله، ويدرك أن الزمان بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه، وصيفه وشتائه، هو آية من آياته تبارك وتعالى، جعلها الله موعظة وذكرى لأولي الألباب من عباده، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].

ولذا كان لا بد لنا مع هذا الصيف من تأملات، ومع حره اللافح من وقفات، ومع أحوال الناس فيه من عبر وعظات، ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44].

شدة الحر تذكر نار جهنم:
ومن أهم ما يعتبر به الإنسان من حر الصيف، أنه يتذكر به حر نار جهنم، وحر موقف يوم القيامة، فتهون عليه حرارة الدنيا، ويزداد خوفًا من نار الآخرة، وهربًا منها.

يقول الله تعالى عن المنافقين: ﴿ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81]، فحين أراد المنافقون أن يثبطوا المسلمين عن الجهاد بحجة حرارة الجو، وما يجلبه من تعب وظمأ، ذكرهم الله بأن هذا الحر ليس شيئًا مقابل حر يوم القيامة، وهو إشارة لكل من يرى من نفسه ثقلاً وتكاسلاً عن حضور الجُمَع والجماعات، خوفًا من الحر، بأن يصبر نفسه بتذكر نار الآخرة، وشدة حرها.

ولما خرج رجل من السلف إلى الجمعة، فوجد الناس قد سبقوه إلى الظل، قعد في الشمس، فناداه رجل من الظل أن يدخل إليه، فأبى أن يتخطى الناس لذلك، ثم تلا: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

كما ينبغي لمن اكتوى بحر الصيف، ولهيب شمسه، أن يأخذ من أسباب الوقاية ما يبعده عن نار جهنم وحرها، فمن لم يصبر على حر شمس الدنيا، كيف يصبر على حر النار يوم القيامة؟!

قال قتادة - وقد ذكر شراب أهل جهنم، وهو ماء يسيل من صديدهم من الجلد واللحم -: (هل لكم بهذا يدانِ، أم لكم عليه صبر؟! طاعة الله أهون عليكم يا قوم؛ فأطيعوا الله ورسوله).

ولما زفت معاذة العدوية إلى صلة بن أشيم، أدخله ابن أخيه الحمام، ثم أدخله بيت العروس، بيتًا مطيبًا، فقام يصلي، فقامت تصلي معه، فلم يزالا يصليان حتى برق الصبح، قال: فأتيته، فقلت له: أي عم، أهديت إليك ابنة عمك الليلة، فقمت تصلي وتركتها، قال: إنك أدخلتني بيتًا أول النهار أذكرتَني به النار، وأدخلتني بيتًا آخر النهار أذكرتني به الجنة، فلم تزل فكرتي فيهما حتى أصبحتُ.

وصب بعض الصالحين على رأسه ماءً من الحمام فوجده شديد الحرارة، فبكى، وقال: ذكرت قوله تعالى: ﴿ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19].

شدة الحر تذكر حرارة موقف يوم القيامة:
كما يتذكر المؤمن حرارة الموقف يوم تدنو الشمس من الرؤوس، فتغلي منها الهامات، ويلجم الناس عرقهم إلجامًا؛ ففي صحيح مسلم من حديث المقداد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل)) - قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم المِيل الذي تكتحل به العين - قال: ((فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا))، قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه.

وعند أحمد من حديث أبي أمامة: ((تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا وكذا، يغلي منها الهامُ كما تغلي القدور))، قال مخرجو المسند: إسناده قوي.

شدة الحر نفَس من جهنم:
ومما ينبغي تدبره وتذكره مع شدة حر الصيف، أن أشد ما نجد من الحر وأشد ما نجد من البرد، إنما هو من أنفاس جهنم؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضًا، فأذِن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف؛ فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)).

قال ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى -: (وأحسن ما قيل في هذا المعنى ما فسره الحسن البصري رحمه الله، قال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضًا فخفِّف عني، قال: فخفف عنها، وجعل لها كل عام نفسين، فما كان من برد يُهلِك شيئًا، فهو من زمهريرها، وما كان من سموم يهلك شيئًا، فهو من حرها)، وقال ابن حجر رحمه الله: (النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف).

وإذا كانت معاناة الناس في الحر والبرد، تكون بسبب نفس من أنفاس جهنم، فكيف يكون عذابها؟ وكيف حال من تكون مقرَّه ومستقرَّه؟!! وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم))، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية، قال: ((فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرها))، وهذا ما يدعو المؤمن لمناجاة ربه بدعاء عباد الرحمن: ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 65، 66].

لا يجوز سب الحر والتذمر منه (على سبيل التسخط):
ومما ينبغي الحذر من الوقوع فيه: سب الحر، والتذمر منه، على وجه التسخط وعدم الرضا بقضاء الله وقدره؛ فالحر خلق من خلق الله، وهو من أفعال الله، ومثله البرد؛ فكلاهما بيد الله يصرفهما كيف يشاء، وسبهما هو سب ﻷفعاله سبحانه، كما أن الصيف والشتاء زمان من الأزمنة التي خلقها الله، وجعل لها صفات تميز بعضها عن بعض، منها المكروه ومنها المحبوب، ومنها الخير ومنها الشر، وسبُّهما هو سب لخالقهما؛ ولذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار))، وسبب كونه سبحانه يتأذى بسب الدهر: أن السبَّ يكون متوجهًا إليه؛ لأنه هو المتصرف في هذه الأقدار، والدهر هو زمان ووقت للحوادث، فليس للدهر فعل يُسَب لأجله، وإنما هو زمان ووقت للأعمال التي خلقها الله فيه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

مع العلم أن وصف اليوم بالشديد أو العصيب أو الحار.. إلخ، على سبيل الألم أو حكاية ما يشعر به الإنسان، مع الرضا التام في القلب، فليس هذا بمحرم!

وكذلك ما كان على سبيل الإخبار بأوصاف وأحوال اليوم؛ كما في قول الله تعالى في قصة نبيه لوط: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77]، فقول لوط عليه السلام: ﴿ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ هو من باب الخبر المحض، وليس سبًّا أو تذمُّرًا من اليوم.

الإبراد بصلاة الظهر:
ومن الرخص المستحب الأخذ بها في شدة حر الصيف: الإبراد بصلاة الظهر، وهو تأخيرها إلى وقت الإبراد، حينما تنكسر شدة الحر، وذلك آخر الوقت قريبًا من وقت العصر، بحيث يذهب المصلي إلى المسجد في ظل البيوت، حتى لا يتعرض للشمس؛ لما ورد من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبرِدْ))، حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرُّ فأبردوا بالصلاة))؛ رواه البخاري ومسلم.

وينبغي العلم أن الأصل هو استحباب تعجيل الصلوات، بحيث تؤدى في أول وقتها؛ فهذا من أحب الأعمال إلى الله؛ كما صح بذلك الحديث، وإنما يستحب الإبرادُ بصلاة الظهر في وقت الحر الشديد الذي يخاف الإنسان معه على نفسه الهلاك، فإذا انتفى الحر - بسبب المكيفات وغيرها من وسائل التبريد - فيعودُ الأمر إلى الأفضل، وهو التعجيل.

وإذا صلى الإمام الظهر في أول وقتها، دون أن يبرد بها، فالأولى حضور صلاة الجماعة معه؛ فقد رجَّح كثير من أهل العلم وجوبها..، أما الإبراد فسنَّة مستحبة؛ ولذا تقدم صلاة الجماعة على الإبراد.

وإذا جلس الرجل ليصلي في بيته لعذر، فالأولى أن يعجل بالصلاة عن الإبراد؛ لعدم حاجته للإبراد ببُعده عن الحر، والله أعلم.

عبادة سَقْي الماء:
ومع حر الصيف تعظم أجور بعض الطاعات، والتي منها: سقي الماء؛ وذلك بحفر الآبار في الأماكن التي تخلو منها، وإما بتبريده وبذله للمحتاجين إليه من العمال، أو من يسيرون في الطرقات، ومن وسائل ذلك حاليًّا: إقامة برادات الماء بجوار المساجد، وفي طرقات الناس، وتعاهدها بالصيانة، حتى لا تخرب بالإهمال، وهذا من أعظم الصدقات؛ لِما رواه أبو داود من حديث سعد بن عبادة، أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: ((الماء))، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات.

وروى الإمام أحمد من حديث سعد بن عبادة أيضًا، أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء))، قال سعد: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ثم قال: ألم تروا إلى أهل النار، حين استغاثوا بأهل الجنة، قالوا: ﴿ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 50].

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: (سقي الماء من أعظم القربات إلى الله تعالى، وقد قال بعض التابعين: مَن كثرت ذنوبه، فعليه بسقي الماء، وإذا غُفرت ذنوب الذي سقى الكلب، فما ظنكم بمن سقى رجلًا مؤمنًا موحدًا، أو أحياه بذلك؟!)؛ انتهى.

رحمة من يعملون في الحر:
وينبغي للمؤمن - إن كان عنده عمال - أن يرحمهم من العمل تحت حرارة الشمس اللافحة، فيجنبهم العمل في أشد أوقات الحر، ويتعاهدهم بالماء، وما يهون عليهم مشاق الحر؛ فإن الرحمة من أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ قال الله تعالى عن نبيه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وقد غفر الله لـ(بغي)؛ لأنها رحمت كلبًا فسقته، وأذهبت ما به من عطش؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به)).

ودائمًا ما أعجب وأتساءل: ما قيمة سقيا كلب مقابل صحف سودت بأعداد من لقاءات الحرام! إنها الرحمة، القيمة الكبرى، والخُلق العظيم.

ولذا جعل الله القسوة عقوبة؛ ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فكيف بمن يظلم العمال، ويعرضهم للأذى، ولا يرحمهم من حر الشمس ولهيبها.

صوم التطوع في اليوم الحار (ظمأ الهواجر):
ومن الطاعات التي يعظُم أجرها في الصيف، وتعد فضيلة كبرى: صوم التطوع؛ حيث تمنع شدة الحرارة كثيرًا من الناس من الصيام، وعظم اﻷجر مع عظم المشقة، وقد ورد عن عدد من الصحابة والتابعين حرصهم على الصيام في شدة الحر، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، وقال القاسم بن محمد: كانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد، قيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر الموت.

كما جاء عن معاذ بن جبل قوله عند موته: (اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها، لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذِّكر)، وظمأ الهواجر أي: اﻷيام التي يهجرها كثير من الناس؛ لمشقة الصوم فيها، وﻻ يكون ذلك إﻻ في أيام الصيف، حيث شدة الحر وطول النهار.

وفي وصية عمر بن الخطاب ﻻبنه عبدالله رضي الله عنهما، عند موته، قال: عليك بخصال الإيمان، وذكر أن من خصال اﻹيمان: الصوم في الصيف.

وقيل إحدى نساء السلف: إنك تعمدين إلى أشد اﻷيام حرارة فتصومينها؟! فقالت: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد.

استحباب الاغتسال من العرق:
ولا شك أن حرارة الصيف تؤدي إلى التعرق، والعرق - مع عدم الاغتسال - يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة من الجسم، تؤذي من حوله، ولما كان المسلم مأمورًا بحضور الجُمَع والجماعات - كالصلوات اليومية، واجتماع الجمعة والعيدين، وغيرها - فإنه يستحب له الاغتسال لإزالة هذه الرائحة، حتى لا يؤذي إخوانه، وكذلك لا يؤذي الملائكة؛ لأنها ((تتأذَّى مما يتأذى منه ابن آدم)).

وفي الحديث الحسن: عن عكرمة رضي الله عنه: أن أناسًا من أهل العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدءُ الغسل، كان الناس مجهودين يلبَسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقًا مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح، آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: ((أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دُهنه وطِيبه)).

قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق"؛ رواه أبو داود، وحسن إسناده الحافظ في (الفتح)، وكذلك الألباني في (صحيح أبي داود).

وينبغي العلم أن الاغتسال لإزالة العرق في أيام شدة الحر، ولو كل يوم، ليس من باب التبذير - كما يظن البعض - بل هو مستحب عند أهل العلم، وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله في (المجموع) - متحدثًا عن المواضع التي يستحب فيها الغسل -: (قال - أي الشافعي - في الأم عقب ذكره هذه المواضع: واستحب الغسل بين هذه المواضع عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفًا للبدن، قال: فلذلك أحبه للحائض، قال: وليس واحد من هذا واجبًا، والله أعلم)؛ انتهى.

نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، والحمد لله رب العالمين.





 منقول 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق