الجمعة، 9 مارس 2012

صفة التَّرَدُّدُ في حق الله تبارك وتعالى ؟

المقصــود بصفة التَّرَدُّدُ فِي حـديث (وما تردَّدت عن شيء
أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن )
*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله تعالى على ما يليق به ؛
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

الدليل :

حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً :

((إن الله قال : من عادى لي وليّاً ؛ فقد آذنته بالحرب ....
وما تردَّدت عن شيء
أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن ؛ يكره الموت ، وأنا أكره مَسَاءَته)).
رواه البخاري (6502).
(1)

سئل شيخ الإسلام رحمه الله في ((الفتاوى)) (18/129)
عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟ فأجاب :

((هذا حديث شريف ، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ،
وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء

، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة ، وقالوا : إنَّ الله لا يوصف بالتردد ،
وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور ،

والله أعلم بالعواقب ، وربما قال بعضهم : إنَّ الله يعامل معاملة المتردد.
والتحقيق : أنَّ كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ،
ولا أنصح للأمة منه ، ولا أفصح ولا

أحسن بياناً منه ، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الظنون الباطلة والاعتقادات
الفاسدة ، ولكن المتردد منا ،
وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه
ما يعلم عاقبة الأمور ؛ لا يكون ما وصف

الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا ؛ فإن الله ليس كمثله شيء ؛
لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في


أفعاله ، ثم هذا باطل ؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب ،
وتارة لما في الفعلين من المصالح
والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ،
ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي


يحب من وجه ويكره من وجه ؛ كما قيل :

فأعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُُ
ِ الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ


وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه ، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال
الصالحة التي تكرهها النفس
هو من هذا الباب ، وفي الصحيح :
((حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره)) (2)،
وقال تعالى
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) الآية.

ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث ؛ فإنه قال :

((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) ؛ فإن العبد الذي هذا
حاله صار محبوباً للحق محباً له ، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها ،
ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها ، فأتى بكل ما يقدر عليه
من محبوب الحق ، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة ؛
بحيث يحب ما يحبه، ويكره ما

يكرهه محبوبه ، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه ،
فلزم من هذا أن يكره الموت ؛ ليزداد من محاب

محبوبه ، والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت ،
فكل ما قضى به ؛ فهو يريده ، ولا بد منه ؛ فالرب مريد

لموته لما سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده ،
وهي المساءة التي تحصل له بالموت ، فصار

الموت مراداً للحق من وجه ، مكروهاً له من وجه ،
هذا حقيقة التردد ، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً

من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين ،
كما ترجح إرادة الموت ، لكن مع وجود

كراهة مساءة عبده ، وليس أرادته لموت المؤمن الذي يحبه
ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته)).

ثم قال (ص 135) : ((والمقصود هنا : التنبيه على أنَّ الشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه ،
وأن هذا حقيقة التردد ، وكما أنَّ هذا في الأفعال ؛ فهو في الأشخاص ، والله أعلم)).

وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في ((لقاء الباب المفتوح)) (س1369)

((إثبات التردد لله عَزَّ وجَلَّ على وجه الإطلاق لا يجوز ،
لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة :
((ما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن)) ،
وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة،
ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء،بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن،
ولهذا قال في نفس الحديث : ((يكره الموت ، وأكره إساءته ، ولابد له منه)).
وهذا لا يعني أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ موصوف

بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي
فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد ، إما لشكه في نتائجه

ومصلحته ، وإما لشكه في قدرته عليه
: هل يقدر أو لا يقدر. أما الرب عَزَّ وجَلَّ فلا )).
منقول
الدرر السنية
(1) رواه البخاري / الجامع الصحيح/ كتاب الرقاق /
باب التواضع/حديث رقم 6050.
(2) رواه مسلم / المسند الصحيح /كتاب صفة القيامة والجنة والنار/
باب الاقتصاد في الموعظة/ حديث رقم 5055

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق