الاثنين، 26 مارس 2018

الفرق بين العالم والعابد

الفرق بين العالم والعابد 

عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  قال: « كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فسأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهبٍ فأتاه فقال : إنَّه قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : لا . فقتله . فكمَّل به مائةً . ثمَّ سأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ . فقال : إنَّه قتل مائةَ نفسٍ . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : نعم . ومن يحولُ بينه وبين التَّوبةِ ؟ انطلق إلى أرضِ كذا وكذا . فإنَّ بها أُناسًا يعبدون اللهَ فاعبُدِ اللهَ معهم . ولا ترجِعْ إلى أرضِك فإنَّها أرضُ سوءٍ . فانطلق حتَّى إذا نصَف الطَّريقَ أتاه الموتُ . فاختصمت فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ . فقالت ملائكةُ الرَّحمةِ : جاء تائبًا مقبلًا بقلبِه إلى اللهِ . وقالت ملائكةُ العذابِ : إنَّه لم يعمَلْ خيرًا قطُّ . فأتاه ملَكٌ في صورةِ آدميٍّ . فجعلوه بينهم . فقال : قِيسوا ما بين الأرضين . فإلى أيَّتِهما كان أدنَى ، فهو له . فقاسوه فوجدوه أدنَى إلى الأرضِ الَّتي أراد . فقبضته ملائكةُ الرَّحمةِ ».
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2766 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.


قال أبو العباس القرطبي رحمه الله:

• قول الراهب لقاتل التسعة والتسعين: إنه لا توبة له دليل على: قلة علم ذلك الراهب، وعدم فطنته، حيث لم يُصبْ وجه الفتيا، ولا سلك طريق التحرز على نفسه، ممن صار القتل له عادة معتادة، فقد صار هذا مثل الأسد الذي لا يُبالي بمن يفترسُه، فكان حقه ألا يشافهه بمنع التوبة مداراةً لدفع القتل عن نفسه، كما يُدارى الأسدُ الضاري، لكنه أعان على نفسه، فإنه لما آيسه من رحمة الله وتوبته قَتَلَه، بحكم سَبُعيته ويأسه من رحمة الله وتوبته عليه، ولما لطف الله به بقي في نفسه الرغبة في السؤال عن حاله.
• فما زال يبحث إلى أن ساقه الله تعالى إلى هذا الرجل العالم الفاضل، فلما سأله نطق بالحق والصواب، فقال له: ومن يحول بينك وبينها؟ مفتياً ومنكراً على من ينفيها عنه، ثم إنه أحاله على ما ينفعه، وهو مفارقته لأرضه التي كانت غلبت عليه بحكم عادة أهلها الفاسدة، ولقومه الذين كانوا يعينونه على ذلك، ويحملونه عليه.
• وبهذا يُعلم فضلُ العلم على العبادة، فإن الأول غلبت عليه الرهبانية، واغتر بوصف الناس له بالعلم، فأفتى بغير علم، فهلك في نفسه وأهلك غيره.
• والثاني كان مشتغلاً بالعلم ومعتنياً به، فوُفِّق للحق، فأحياه الله في نفسه، وأحيا به الناس.

(٨٩/٧-٩٠)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق