الانتكاسة بعد الهداية
خالد عبد المنعم الرفاعي
فإن الانتكاسة إنما تقع لأسباب يحسُن معرفتُها؛ لتجنبها، من أهمها:
الالْتِفاتُ إلى الذنب، والحنينُ إليه، وتَذَكُّره، وعلاجُ ذلك بِقَلْع
الذنب من القلب، وتناسيه؛ كما قال ابن الجوزي: "إنك إذا اشتَبَكَ ثوبُك في
مسمارٍ، رجعتَ إلى الخلف لتُخلِّصه، وهذا مسمارُ الذنب قد عَلَقَ في قلبك،
أفلا تنزعه؟!.. انزَعْهُ، ولا تَدَعْهُ بقلبك يغدو عليك الشيطان ويَرُوحُ،
اقْلَعِ الذنبَ من قلبك" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة "مجموع الفتاوى" (16 / 58): "فإن العبد إنما يعود إلى الذَّنب؛ لبقايا في نفسه، فمَن خرج مِن قلبه الشبهة والشهوة، لم يعد إلى الذنب".
الأمر الآخر: أن الذنوب تقع إذا كانت النفس غير ممتثلة لأوامِر الله، ولا مجتنبة لنواهيه؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]، فعبادُ الله المخلصون لا يُغويهم الشيطان، ومن مالتْ نفسُه إلى محرَّمٍ، وَجَبَ عليه أن يأتي بعبادة الله كما أمر الله، مخلصًا له الدين؛ فذلك يَصرِف عنه السوء والفحْشاء؛ فالعبادةُ كالترياق الذي يدفع أثر السم، ويرفعه بعد حصوله، وكالطب الذي يحفظ الصحة، ويدفع المرض، وكذلك ما في القلب من الإيمان يُحفَظ بأشباهه مما يقومُ به.
ففِرَّ بصدقٍ إلى الله، وخُذ نفسك بالشِّدَّة، ولا تتهاون معها، ولا تتعلل بحُجج واهية؛ من شدة الشهوة، وما شابه، فلا يوجدُ دواءٌ في معصية الله ألبتة، بل في التوبة النصوح، والعزم الأكيد على عدم العَوْدِ، وتَقطَع النفس بالندم على ما فات، مع مجاهدة النفس؛ قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (21 / 37): "فهذا الجهاد يحتاج أيضًا إلى صبر، فمن صَبَرَ على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه، غَلَبَهُ، وحَصَلَ له النصرُ والظفرُ، وملك نفسه، فصار عزيزًا ملكًا، ومن جَزَعَ ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غُلِبَ، وقُهِرَ، وأُسِرَ، وصار عبدًا ذليلًا أسيرًا في يدي شيطانه وهواه، كما قيل:
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة "مجموع الفتاوى" (16 / 58): "فإن العبد إنما يعود إلى الذَّنب؛ لبقايا في نفسه، فمَن خرج مِن قلبه الشبهة والشهوة، لم يعد إلى الذنب".
الأمر الآخر: أن الذنوب تقع إذا كانت النفس غير ممتثلة لأوامِر الله، ولا مجتنبة لنواهيه؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]، فعبادُ الله المخلصون لا يُغويهم الشيطان، ومن مالتْ نفسُه إلى محرَّمٍ، وَجَبَ عليه أن يأتي بعبادة الله كما أمر الله، مخلصًا له الدين؛ فذلك يَصرِف عنه السوء والفحْشاء؛ فالعبادةُ كالترياق الذي يدفع أثر السم، ويرفعه بعد حصوله، وكالطب الذي يحفظ الصحة، ويدفع المرض، وكذلك ما في القلب من الإيمان يُحفَظ بأشباهه مما يقومُ به.
ففِرَّ بصدقٍ إلى الله، وخُذ نفسك بالشِّدَّة، ولا تتهاون معها، ولا تتعلل بحُجج واهية؛ من شدة الشهوة، وما شابه، فلا يوجدُ دواءٌ في معصية الله ألبتة، بل في التوبة النصوح، والعزم الأكيد على عدم العَوْدِ، وتَقطَع النفس بالندم على ما فات، مع مجاهدة النفس؛ قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (21 / 37): "فهذا الجهاد يحتاج أيضًا إلى صبر، فمن صَبَرَ على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه، غَلَبَهُ، وحَصَلَ له النصرُ والظفرُ، وملك نفسه، فصار عزيزًا ملكًا، ومن جَزَعَ ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غُلِبَ، وقُهِرَ، وأُسِرَ، وصار عبدًا ذليلًا أسيرًا في يدي شيطانه وهواه، كما قيل:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَغْلِبْ هَوَاهُ أَقَامَهُ *** بِمَنْزِلَةٍ فِيهَا العَزِيزُ ذَلِيلُ
قال ابن المبارك: "من صبر، فما أقلَّ ما يصبر، ومن جزع، فما أقلَّ ما يتمتع".
فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن النصر مع الصبر"، يشمل النصر في الجهادين: جهاد العدو الظاهر، وجهاد العدو الباطن، فمن صبر فيهما، نُصِرَ، وظَفَرَ بعدوه، ومن لم يصبر فيهما وجزع، قُهِرَ، وصار أسيرًا لعدوه، أو قتيلًا له" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (10 / 635): "فإذا كانت النفس تهوى، وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا"، وثبت عنه أنه قال: "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله، فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد، فمَن صبر عليه، صبر على ذلك الجهاد؛ كما قال: "والمهاجر من هجر السيئات"، ثم هذا لا يكون محمودًا فيه إلا إذا غلب، بخلاف الأول؛ فإنه: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرعة"؛ وذلك لأنَّ الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غُلِبَ، كان لضعف إيمانه، فيكون مفرِّطًا بترك المأمور، بخلاف العدو الكافر؛ فإنه قد يكون بدنُه أقوى".
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3 / 5) بعد ما بين أن العبد امتحن بأعداء ثلاثة أُمِرَ بمحاربتها، وجهادها؛ وهي النفس، والشيطان، وأعداءُ الله: "فأعطى عباده الأسماع، والأبصار، والعقول، والقُوَى، وأنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، وأمدهم بملائكته، وقال لهم: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]، وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوِّهم، وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به، لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم، وأنه إن سلطه عليهم، فَلِتَرْكِهِمْ بعضَ ما أُمِروا به، ولمعصيتهم له، ثم لم يؤَيِّسْهم، ولم يقَنِّطهم، بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم، ويداوُوا جراحهم، ويعودوا إلى مناهضة عدوهم، فينصرَهم عليه، ويُظْفِرَهُمْ بهم، فأخبرهم أنه مع المتقين منهم، ومع المحسنين، ومع الصابرين، ومع المؤمنين، وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم، بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم، ولولا دفاعه عنهم، لتخطفهم عدوهم واجتاحهم.
وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قَدْرِهِ، فإن قَوِيَ الإيمان، قويت المدافعة، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وقال في "الجواب الكافي" حيث يقول: "فلو نظر العاقلُ، ووازَنَ بين لذَّة المعصية، وما تولَّد فيه من الخوف والوحشة، لَعَلِمَ سوء حاله، وعظيم غبْنه؛ إذْ باع أُنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية، وما تُوجبه من الخوف.
إِذَا كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ *** فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ
وسرُّ المسألة: أنَّ الطَّاعة تُوجب القُرب من الرَّبِّ سبحانه، وكلَّما اشتدَّ القرب قَوِيَ الأُنس، والمعصية توجب البعد من الرَّبِّ، وكلَّما زاد البُعْد قوِيت الوحْشة؛ ولهذا يَجد العبد وحشةً بيْنَه وبين عدوِّه؛ للبعد الَّذي بيْنهما، وإن كان ملابسًا له، قريبًا منه، ويجد أنسًا قويًّا بينه وبين من يُحب، وإن كان بعيدًا عنْه، والوحشة سبَبُها الحجاب، وكلَّما غلظ الحِجاب زادت الوحشة، فالغفْلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشةُ المعصية، وأشدُّ منها وحشةُ الشِّرك والكفر، ولا تَجد أحدًا يُلابس شيئًا من ذلك إلاَّ ويعْلوه من الوحشة بِحسَب ما لابَسه منه، فتعلو الوحشةُ وجْهَه وقلْبَه، فيستوْحِش، ويُستوحَش منه".
والزم نفسك الامتثال لهذه الأمور:
الأول: مُفارقةُ الأحْوال الَّتِي اعْتدتَها في زمَنِ المعصِية، والتَّحوُّل منها كلها، والاشتغال بغيرها؛ بمعنى أن المعصية إمَّا أن ترتبط بحالٍ، أو مكانٍ، أو أشخاصٍ، أو غير ذلك؛ فأنت مُطالَبٌ حتى تَثْبُتَ على التوبة؛ أن تُفارِقَ كلَّ ما من شأنه أن يُساعدَك على المعصية، أو يُذكرَك بها، أو يُعاوِنَك عليها، وهذا من أسرارِ مشروعيةِ الهجرةِ، وتأمل رعاك الله قولَ أعلمِ أهلِ الأرضِ في زمانه لمَّا قال لقاتل المائة نفس: "مَن يَحولُ بينهُ وبين التوبة؟ انطَلِقْ إلى أرضِ كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا تَرجِعْ إلى أرضكَ؛ فإنها أرضُ سُوءٍ"؛ قال العلماء: "في هذا استحبابُ مُفارقَةِ التائب المواضعَ التي أصاب بها الذنوب، والأخدانَ المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يَستبدِل بهم صحبةَ أهل الخير والصلاح، والعلماء، والمتعبِّدين الوَرِعين، ومن يُقتدَى بهم، ويُنتَفَعُ بصحبتهم، وتتأكَّدُ بذلك توبتُه؛ قاله النووي في شرحه على مسلم" (9 / 143)، وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6 / 517): "وفيه: فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية؛ لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك؛ إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك، والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه؛ ولهذا قال له الأخير: "ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء"؛ ففيه إشارةٌ إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحوُّل منها كلها والاشتغال بغيرها".
الثاني: استحضار مُراقبة الله تعالى لك في السرِّ والعلانية، وأنه يراك، ولا يخفى عليه شيءٌ مما تفعل؛ قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، وهذا هو مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام: "أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه، فإنه يراك" [متفق عليه]، فاستحضار قربه سبحانه يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، قال أبو ذر: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كأني أراه"، وعن أبي أمامة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلًا فقال له: "استحي مِن الله استحياءك مِن رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك"، وعن معاذٍ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "استحي من الله كما تستحيي من رجلٍ ذي هيبةٍ من أهلك"، ويروى عن معاذٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاه لما بعثه إلى اليمن، فقال: "استحي من الله كما تستحيي من رجلٍ ذي هيبة من أهلك"، فإن شق عليك انتقلت إلى المنزلة الأخرى، وهي إيمانك أن الله يراك، ويطلع على سرك وعلانيتك، وباطنك وظاهرك، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمرك، وذلك يورث الاستحياء من نظره سبحانه قال بعضُ الصالحين: "اتقِ الله أن يكونَ أهون الناظرين إليك"، وراجع منزلة المراقبة من كتاب: "مدارج السالكين".
ثالثًا: تيقَّن أن التوبة تمحو جميع السيئات، وليس شيءٌ من العبادات يمحو جميع الذنوب إلا التوبة؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، هي لمن تاب؛ ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}؛ بل توبوا إليه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]، وكذلك عبادة التوبة أفضل أعمال المؤمن؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للغامدية بعدما أقرت بالزِّنا ورجمها: "فوالذي نفسي بيده، لقد تابتْ توبةً لو تابها صاحب مكسٍ، لغفر له" [رواه مسلم].
ومعنى المكس: الجباية، وغلب استعماله فيما يأخذه أعوان الظلمة عند البيع والشراء، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عبدًا أصاب ذنبًا - وربما قال: أذنب ذنبًا - فقال: ربّ أذنبتُ - وربما قال: أصبتُ - فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا، أو أذنب ذنبًا، فقال: رب أذنبت - أو أصبت - آخر، فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا، وربما قال: أصاب ذنبًا، قال: قال: رب أصبت - أو قال: أذنبت - آخر، فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثًا، فليعمل ما شاء"؛ ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحًا بعد كل ذنبٍ، فإن الله يغفر له، وليس في الحديث إغراءٌ بالمعصية، ولكنه حثٌّ على المبادرة بالتوبة الصادقة؛ فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ؛ ولذلك فتح لنا باب التوبة في كلِّ وقت، حتى تبلغ الروح الحلقوم، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون" [رواه الترمذي، وابن ماجه]، وقال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة، تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسنٍ" [رواه الترمذي]، ويجب أن يشغلك الندم على الذنوب الماضية، والإقلاع عن الحاضرة، والعزم على عدم العودة في المستقبل، وعلى قدر صدقك؛ سيوفقك ويعينك الله، ويسترك؛ فلا تنفضح، ويقيك من شر الذنب؛ فلا يعاقبك عليه.
رابعًا: جاهِدْ نفسك، وقوِّ إرادتك، وانظر في العواقب، ولتعلمْ أن المعصية سببٌ للشقاء، والضنك، والضيق، والخوف، وأن من تركها لله، عوَّضه الله خيرًا منها، وأعظمها محبة الله، وطمأنينة القلب بذكره، والسعادة الحقة؛ فالله تعالى يمهل ولا يهمل؛ فربما سترك الله؛ لأجل أن تراجع نفسك، وتقلع عن فعلتك؛ فإذا أصررت عليها لا قدر الله ربما كشف أمرك، وهتك سترك.
خامسًا: المحافظة على الصلوات، وإقامتها على الوجه الأكمل؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكَر.
سادسًا: إدمان الذِّكر، والأوراد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، ونحوها من الأذكار المطلقة والمقيدة، وكذلك أكثر من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فإنها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تكابد بها الأهوال، وتحمل الأثقال، وينال رفيع الأحوال".
سابعاً: ملازمة الدُّعاء، وتحرِّي أوقات ومواضع الإجابة، ومصاحبة الأخيار، والبُعد عن الأشرار، مع شغل الوقت بما يعود عليك نفعه، ولتبتعد عن الفراغ في دينك، ودنياك.
ثامنًا: تجنُّب المثيرات؛ بالبُعد عن مواطن الفتَن.
تاسعًا: الحذر من تذكُّر الذنب بين الفينة والأخرى؛ فالتفات القلب إلى الذنب، يجعل الإنسان غالبًا يحن إليه؛ فلا بد والحال كذلك من نسيان الذنب، أو تناسيه، وقطع الاسترسال في تفكره.
عاشراً: احرص على اقتناء كتاب: "تلبيس إبليس"؛ لابن الجوزي، و"إغاثة اللهفان"، و"مدارج السالكين"؛ لابن قيم الجوزية، وراجع لزامًا "فصل في مشاهد الخلق في المعصية"؛ حيث ذكر ثلاثة عشر مشهدًا، وقال: "وهذا الفصل مِن أجَلِّ فصول الكتاب وأنفعها لكل أحدٍ، وهو حقيقٌ بأن تثنى عليه الخناصر، ولعلك لا تظفر به في كتاب سواه، إلا ما ذكرناه في كتابنا المسمى: "سفر الهجرتين في طريق السعادتين".
والله أسأل أن يرزقنا - جميعًا - توبةً نصوحًا، ويثبتنا على صراطه المستقيم.
قال ابن المبارك: "من صبر، فما أقلَّ ما يصبر، ومن جزع، فما أقلَّ ما يتمتع".
فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن النصر مع الصبر"، يشمل النصر في الجهادين: جهاد العدو الظاهر، وجهاد العدو الباطن، فمن صبر فيهما، نُصِرَ، وظَفَرَ بعدوه، ومن لم يصبر فيهما وجزع، قُهِرَ، وصار أسيرًا لعدوه، أو قتيلًا له" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (10 / 635): "فإذا كانت النفس تهوى، وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا"، وثبت عنه أنه قال: "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله، فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد، فمَن صبر عليه، صبر على ذلك الجهاد؛ كما قال: "والمهاجر من هجر السيئات"، ثم هذا لا يكون محمودًا فيه إلا إذا غلب، بخلاف الأول؛ فإنه: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرعة"؛ وذلك لأنَّ الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غُلِبَ، كان لضعف إيمانه، فيكون مفرِّطًا بترك المأمور، بخلاف العدو الكافر؛ فإنه قد يكون بدنُه أقوى".
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3 / 5) بعد ما بين أن العبد امتحن بأعداء ثلاثة أُمِرَ بمحاربتها، وجهادها؛ وهي النفس، والشيطان، وأعداءُ الله: "فأعطى عباده الأسماع، والأبصار، والعقول، والقُوَى، وأنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، وأمدهم بملائكته، وقال لهم: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]، وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوِّهم، وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به، لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم، وأنه إن سلطه عليهم، فَلِتَرْكِهِمْ بعضَ ما أُمِروا به، ولمعصيتهم له، ثم لم يؤَيِّسْهم، ولم يقَنِّطهم، بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم، ويداوُوا جراحهم، ويعودوا إلى مناهضة عدوهم، فينصرَهم عليه، ويُظْفِرَهُمْ بهم، فأخبرهم أنه مع المتقين منهم، ومع المحسنين، ومع الصابرين، ومع المؤمنين، وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم، بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم، ولولا دفاعه عنهم، لتخطفهم عدوهم واجتاحهم.
وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قَدْرِهِ، فإن قَوِيَ الإيمان، قويت المدافعة، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وقال في "الجواب الكافي" حيث يقول: "فلو نظر العاقلُ، ووازَنَ بين لذَّة المعصية، وما تولَّد فيه من الخوف والوحشة، لَعَلِمَ سوء حاله، وعظيم غبْنه؛ إذْ باع أُنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية، وما تُوجبه من الخوف.
إِذَا كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ *** فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ
وسرُّ المسألة: أنَّ الطَّاعة تُوجب القُرب من الرَّبِّ سبحانه، وكلَّما اشتدَّ القرب قَوِيَ الأُنس، والمعصية توجب البعد من الرَّبِّ، وكلَّما زاد البُعْد قوِيت الوحْشة؛ ولهذا يَجد العبد وحشةً بيْنَه وبين عدوِّه؛ للبعد الَّذي بيْنهما، وإن كان ملابسًا له، قريبًا منه، ويجد أنسًا قويًّا بينه وبين من يُحب، وإن كان بعيدًا عنْه، والوحشة سبَبُها الحجاب، وكلَّما غلظ الحِجاب زادت الوحشة، فالغفْلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشةُ المعصية، وأشدُّ منها وحشةُ الشِّرك والكفر، ولا تَجد أحدًا يُلابس شيئًا من ذلك إلاَّ ويعْلوه من الوحشة بِحسَب ما لابَسه منه، فتعلو الوحشةُ وجْهَه وقلْبَه، فيستوْحِش، ويُستوحَش منه".
والزم نفسك الامتثال لهذه الأمور:
الأول: مُفارقةُ الأحْوال الَّتِي اعْتدتَها في زمَنِ المعصِية، والتَّحوُّل منها كلها، والاشتغال بغيرها؛ بمعنى أن المعصية إمَّا أن ترتبط بحالٍ، أو مكانٍ، أو أشخاصٍ، أو غير ذلك؛ فأنت مُطالَبٌ حتى تَثْبُتَ على التوبة؛ أن تُفارِقَ كلَّ ما من شأنه أن يُساعدَك على المعصية، أو يُذكرَك بها، أو يُعاوِنَك عليها، وهذا من أسرارِ مشروعيةِ الهجرةِ، وتأمل رعاك الله قولَ أعلمِ أهلِ الأرضِ في زمانه لمَّا قال لقاتل المائة نفس: "مَن يَحولُ بينهُ وبين التوبة؟ انطَلِقْ إلى أرضِ كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا تَرجِعْ إلى أرضكَ؛ فإنها أرضُ سُوءٍ"؛ قال العلماء: "في هذا استحبابُ مُفارقَةِ التائب المواضعَ التي أصاب بها الذنوب، والأخدانَ المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يَستبدِل بهم صحبةَ أهل الخير والصلاح، والعلماء، والمتعبِّدين الوَرِعين، ومن يُقتدَى بهم، ويُنتَفَعُ بصحبتهم، وتتأكَّدُ بذلك توبتُه؛ قاله النووي في شرحه على مسلم" (9 / 143)، وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6 / 517): "وفيه: فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية؛ لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك؛ إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك، والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه؛ ولهذا قال له الأخير: "ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء"؛ ففيه إشارةٌ إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحوُّل منها كلها والاشتغال بغيرها".
الثاني: استحضار مُراقبة الله تعالى لك في السرِّ والعلانية، وأنه يراك، ولا يخفى عليه شيءٌ مما تفعل؛ قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، وهذا هو مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام: "أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه، فإنه يراك" [متفق عليه]، فاستحضار قربه سبحانه يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، قال أبو ذر: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كأني أراه"، وعن أبي أمامة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلًا فقال له: "استحي مِن الله استحياءك مِن رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك"، وعن معاذٍ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "استحي من الله كما تستحيي من رجلٍ ذي هيبةٍ من أهلك"، ويروى عن معاذٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاه لما بعثه إلى اليمن، فقال: "استحي من الله كما تستحيي من رجلٍ ذي هيبة من أهلك"، فإن شق عليك انتقلت إلى المنزلة الأخرى، وهي إيمانك أن الله يراك، ويطلع على سرك وعلانيتك، وباطنك وظاهرك، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمرك، وذلك يورث الاستحياء من نظره سبحانه قال بعضُ الصالحين: "اتقِ الله أن يكونَ أهون الناظرين إليك"، وراجع منزلة المراقبة من كتاب: "مدارج السالكين".
ثالثًا: تيقَّن أن التوبة تمحو جميع السيئات، وليس شيءٌ من العبادات يمحو جميع الذنوب إلا التوبة؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، هي لمن تاب؛ ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}؛ بل توبوا إليه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]، وكذلك عبادة التوبة أفضل أعمال المؤمن؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للغامدية بعدما أقرت بالزِّنا ورجمها: "فوالذي نفسي بيده، لقد تابتْ توبةً لو تابها صاحب مكسٍ، لغفر له" [رواه مسلم].
ومعنى المكس: الجباية، وغلب استعماله فيما يأخذه أعوان الظلمة عند البيع والشراء، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عبدًا أصاب ذنبًا - وربما قال: أذنب ذنبًا - فقال: ربّ أذنبتُ - وربما قال: أصبتُ - فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا، أو أذنب ذنبًا، فقال: رب أذنبت - أو أصبت - آخر، فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا، وربما قال: أصاب ذنبًا، قال: قال: رب أصبت - أو قال: أذنبت - آخر، فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثًا، فليعمل ما شاء"؛ ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحًا بعد كل ذنبٍ، فإن الله يغفر له، وليس في الحديث إغراءٌ بالمعصية، ولكنه حثٌّ على المبادرة بالتوبة الصادقة؛ فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ؛ ولذلك فتح لنا باب التوبة في كلِّ وقت، حتى تبلغ الروح الحلقوم، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون" [رواه الترمذي، وابن ماجه]، وقال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة، تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسنٍ" [رواه الترمذي]، ويجب أن يشغلك الندم على الذنوب الماضية، والإقلاع عن الحاضرة، والعزم على عدم العودة في المستقبل، وعلى قدر صدقك؛ سيوفقك ويعينك الله، ويسترك؛ فلا تنفضح، ويقيك من شر الذنب؛ فلا يعاقبك عليه.
رابعًا: جاهِدْ نفسك، وقوِّ إرادتك، وانظر في العواقب، ولتعلمْ أن المعصية سببٌ للشقاء، والضنك، والضيق، والخوف، وأن من تركها لله، عوَّضه الله خيرًا منها، وأعظمها محبة الله، وطمأنينة القلب بذكره، والسعادة الحقة؛ فالله تعالى يمهل ولا يهمل؛ فربما سترك الله؛ لأجل أن تراجع نفسك، وتقلع عن فعلتك؛ فإذا أصررت عليها لا قدر الله ربما كشف أمرك، وهتك سترك.
خامسًا: المحافظة على الصلوات، وإقامتها على الوجه الأكمل؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكَر.
سادسًا: إدمان الذِّكر، والأوراد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، ونحوها من الأذكار المطلقة والمقيدة، وكذلك أكثر من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فإنها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تكابد بها الأهوال، وتحمل الأثقال، وينال رفيع الأحوال".
سابعاً: ملازمة الدُّعاء، وتحرِّي أوقات ومواضع الإجابة، ومصاحبة الأخيار، والبُعد عن الأشرار، مع شغل الوقت بما يعود عليك نفعه، ولتبتعد عن الفراغ في دينك، ودنياك.
ثامنًا: تجنُّب المثيرات؛ بالبُعد عن مواطن الفتَن.
تاسعًا: الحذر من تذكُّر الذنب بين الفينة والأخرى؛ فالتفات القلب إلى الذنب، يجعل الإنسان غالبًا يحن إليه؛ فلا بد والحال كذلك من نسيان الذنب، أو تناسيه، وقطع الاسترسال في تفكره.
عاشراً: احرص على اقتناء كتاب: "تلبيس إبليس"؛ لابن الجوزي، و"إغاثة اللهفان"، و"مدارج السالكين"؛ لابن قيم الجوزية، وراجع لزامًا "فصل في مشاهد الخلق في المعصية"؛ حيث ذكر ثلاثة عشر مشهدًا، وقال: "وهذا الفصل مِن أجَلِّ فصول الكتاب وأنفعها لكل أحدٍ، وهو حقيقٌ بأن تثنى عليه الخناصر، ولعلك لا تظفر به في كتاب سواه، إلا ما ذكرناه في كتابنا المسمى: "سفر الهجرتين في طريق السعادتين".
والله أسأل أن يرزقنا - جميعًا - توبةً نصوحًا، ويثبتنا على صراطه المستقيم.
منقــــــــــــــول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق