الأربعاء، 27 مارس 2013

بما عرفت ربك

بما عرفت ربك 



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:



فإن معرفة العبد بربه وتوحيده في عبادته حتى يخضع له تمام الخضوع ويعبده حق العبادة هي مقصد الخلق، قال جل جلاله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً.


وقال ابن جريج ومجاهد في تفسيرها إن معناها: إلا ليعرفون، قاله ابن كثير والقرطبي والبغوي، وهذه المعرفة إنما تحصل بالتأمل في آيات الله المتلوة والكونية بقلب يستنير بنور الوحي، ويتأمل في صفات الله وأسمائه وبديع صنعه في مخلوقاته، وتفرده بتدبير أمور خلقه مستدلا لذلك بما ثبت في الوحي، قال المناوي في الفيض: فمنزلة الله عند العبد في قلبه على قدر معرفته إياه وعلمه به وإجلاله وتعظيمه، والحياء والخوف منه وإقامة الحرمة لأمره ونهيه، والوقوف عند أحكامه بقلب سليم، ونفس مطمئنة، والتسليم له بدنا وروحاً وقلبا، ومراقبة تدبيره في أموره ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه ومننه، وترك مشيئته لمشيئته وحسن الظن به، والناس في ذلك درجات، وحظوظهم بقدر حظوظهم من هذه الأشياء، فأوفرهم حظاً منها أعظمهم درجة عنده وعكسه بعكسه. 


وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى: أنه قيل لابن عباس: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج ظاعنا في الاعوجاج، عرفته بما عرَّف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه، فأخبر أن معرفة القلب حصلت بتعريف الله وهو نور الإيمان، وأن وصف اللسان حصل بكلام الله وهو نور القرآن. 


قال في درء تعارض العقل والنقل: وقد قيل لعلي رضي الله عنه: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني نفسه، لا يشبه صورة ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس. وعن ابن عباس حين سأله نجدة الحروري فقال: يا ابن عباس؛ بم عرفت ربك إذ عرفته؟ فأجاب بنحو من جواب أمير المؤمنين. انتهى. 


وذكر في الجواب الصحيح أنه قد نقل عن أبي سعيد الخراز أنه قيل: بماذا عرفت ربك؟ قال: بجمعه بين الأضداد، وقرأ قوله: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. قال شيخ الإسلام: أراد بذلك أنه مجتمع في حقه سبحانه ما يتضاد في حق غيره، فإن المخلوق لا يكون أولاً آخراً باطناً ظاهراً. انتهى.


ومن أحسن ما ذكروه في الاستلالال بالآيات الكونية ما أجاب به الأعرابي
 الأصمعي عن سؤاله له، بم عرفت ربك؟ حيث قال: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير.
وروى أبو نعيم في الحلية عن أحمد بن يونس قال: سئل سفيان الثوري بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهمة. 


ونقل الأصبهاني في العظمة عن أحمد بن أبي الحواري رحمه الله قال: التقى حكيمان من الحكماء، فقال أحدهما لصاحبه: بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ومنع الهم لما عزمت، فأزالني القدر وهممت فحال بيني وبين همي، فعلمت أن المستولي على قلبي غيري. قال: فبم عرفت الشكر؟ قال: بكشف البلوى لما رأيته مصروفاً عني موجوداً في غيري شكرته على ذلك، قال: فبم أحببت لقاءه؟ قال: بأصل التخيير وانتفاء التهمة، قال: فما أصل التخيير وانتفاء التهمة؟ قال: لما اختار لي تبارك وتعالى دين الأنبياء والملائكة أحسنت به الظن ونفيت عنه التهمة، وعلمت أن الذي اختار لي هذا لا يسيء إلي فأحببت لقاءه.. انتهى.


وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: أعرفه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته: الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته: السماوات السبع، ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما، والدليل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ



 منقــــــــــــول 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق