الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

عاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).






عاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).
عاشوراء المُلهِمة




يوم العاشر من المحرَّم يوم مليء بالعِبَر، التي تمثل علامات حيَّة في أوساط الأشخاص والدول والحضارات؛ فعاشوراء (ولاء)، و(براء)، و(أمل).

(ولاء) لا ينقطع بين أهل الحق مهما باعدَت بينهم الأزمنةُ، وفرَّقَت بينهم الأمكنة؛ فإنَّ رباط الحقِّ يجمعهم، ونصرته تشملهم؛ ولهذا ورد أنَّ صيام يوم عاشوراء حرص عليه الأنبياء ومحمدًا صلى الله عليه وسلم صامَه لنجاة موسى وقومه، وشرع الرسول الأكرم للمسلمين صيامه إلى قيام الساعة[1].

رابطة عمليَّة عجيبة تعلِن أنَّ أصحاب الحق أَولى ببعضهم فرحًا وحزنًا، ونصرةً وتأييدًا، وهكذا ينبغي أن يكونوا دائمًا؛ ((مثل الجسَد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى سائر الجسد بالسهر والحمَّى))[2].

وعاشوراء (براءة) لا تزول؛ من عصبيَّاتٍ تَنبني على الطغيان، وأعمالٍ تقوم على الظُّلم، ومخالفات تُنكِر الفضلَ وتَجحد النِّعم، ومؤثِّرات تشوِّش على الحقِّ وتَذهب بشخصيَّة معتنقيه، ومن ثَمَّ فلا يَنبغي للمسلم أن يقع تحت تأثير شيء من ذلك؛ عقيدةً أو عبادات أو عادات أو أخلاقًا! بل شخصيَّة صاحب الحق شخصيَّة مستقلَّة مترفِّعة عن الدنايا؛ يأخذ الحكمةَ أنَّى وجدها ويستفيد بها، وفي ذات الوقت يستقلُّ بنفسه ومنهجِه متى ما استبانَت له السَّبيل، ووضحَت له المحجَّة: ((لئن عِشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع))[3]، يَنتصر بذلك على فِتن التغريب وطغيان عادات غير المسلمين عليه.

وعاشوراء (أمل) يتجدَّد في نفوس البائسين بأنَّ الفرج قريبٌ مهما بدا لنا بُعدُه، وأنَّ النَّصر للحقِّ مهما تزَلزَل أهلُه، وأنَّ النور من رَحِم الظَّلماء مسراه مهما كثرَت الشكوك فيه، لتتأمَّل الأنفسُ اليائسة آيات الله في كلِّ زمان ومكان، ولتعتبِر بما حكى القرآنُ من جولات الصِّراع بين الحقِّ والباطل - نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وموسى، ومحمد، مع أقوامهم - ما فيها وما قد كان، حتمًا سترتدُّ قلوبهم موقِنَة، ونفوسُهم مطمئنَّة، إلى أنَّ النصر حليفهم، وأن الأمل قريب...( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ )[يونس: 103].

عاشوراء ملهمة... تحتاج منَّا إلى تأمُّلات.




[1] أحاديث مشروعية صيام يوم عاشوراء كثيرة مشهورة، وهي في الصحيحين وغيرهما؛ منها حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثمَّ أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرض رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شاء فليصمْه، ومن شاء فليُفطره))؛ أخرجه البخاري (1592)، ومسلم (2639).
وفي فضله حديث غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه - في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث طويل - قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: ((يكفِّر السَّنةَ الماضية))، وفي رواية: ((صيام يوم عاشوراء أَحتسِب على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله))؛ أخرجه مسلم (2746 - 2747)، وغيره.
وورد في سبب صيامه حديثُ سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فرأى اليهودَ تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا؟))، قالوا: هذا يومٌ صالح، نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم؛ فصامه موسى، قال: ((فأنا أحقُّ بموسى منكم))، فصامَه وأمر بصيامه؛ أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (3397).



[2] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).


[3] أخرجه مسلم (1134)، وفي (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): "وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان العام المقبِل، صمنا اليومَ التاسع))؛ إنَّما قال هذا صلى الله عليه وسلم لحصول فائدة الاستئلاف المتقدم، وكانت فائدته: إصغاءهم لما جاء به؛ حتى يتبيَّن لهم الرشد من الغَي، فيحيا من حَيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بينة، ولمَّا ظهر عنادهم كان يجب مخالفتهم - أعني: أهل الكتاب - فيما لم يُؤمر به؛ وبهذا النَّظر وبالذي تقدَّم، يَرتفع التعارض المتوهَّم في كونه صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ موافقةَ أهل الكتاب، وكان يحبُّ مخالفتَهم، وأنَّ ذلك في وقتين وحالتين، لكن الذي استقرَّ حاله عليه: أنَّه كان يحبُّ مخالفتَهم؛ إذ قد وضح الحقُّ، وظهر الأمرُ، ولو كره الكافرون؛ [9/ 140] .






منقول بتصرف

المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق