مسائل متفرقة في سنة الفجر
راتبة الفجر من آكد السنن الراتبة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتعاهدها ولا يدعها في حضر ولا سفر.
والدليل على صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لركعتي الفجر في السفر: ما ثبت عن أبي مريم؛ قال: " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح؛ نـزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة"[2].
والحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي صلاة راتبة الفجر مع صلاة الفجر في السفر.
كما يدل على مشروعية صلاتها عند فوات صلاة الفجر عن وقتها، فإنه يشرع في صلاة راتبة الفجر ثم صلاة الفجر كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: وصفها وفضلها:
راتبة الفجر ركعتان، تصليان قبل صلاة الفجر،
وقد ورد في فضلها أحاديث منها:
أ) عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً]". أخرجه مسلم. [3]
والحديث يدل على استحباب ركعتي الفجر والترغيب فيهما.
ب) عن عائشة - رضي الله عنها -؛ قالت: " لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر". أخرجه الشيخان[4]. والحديث يدل على تأكيد المحافظة على ركعتي الفجر.
وقد اجتمع في هذه الراتبة: القول منه - صلى الله عليه وسلم - في الترغيب فيها، والفعل منه - صلى الله عليه وسلم - في المحافظة عليها.
ج) وعنها - رضي الله عنها -؛ قالت: " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل [الصبح] الغداة". أخرجه البخاري والنسائي[5]
وهذه الأحاديث تدل على فضل ركعتي الفجر، و أنها من أوكد الرواتب.
كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يخفف ركعتي الفجر، فلا يطيل القراءة فيهما، ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
أ) ما جاء عن أم المؤمنين حفصة؛ قالت: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح؛ ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة". أخرجه الشيخان[6]
ب) عن عائشة؛ قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إنّي لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ ". أخرجه الشيخان [7].
والحديثان يدلان على مشروعية تخفيف ركعتي الفجر.
واستدل بعض أهل العلم بحديث عائشة على مشروعية الاقتصار في سنة الفجر على قراءة فاتحة الكتاب، ولا دلالة في الحديث على ذلك، وغاية ما فيه الإشعار بأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يخفف فيهما القراءة، ويؤكد هذا ما يأتي في المسألة التالية.
رابعاً: ما يقرأ فيهما:
أ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكافرون، و قل هو الله أحد" [8].
ب) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا… الآية التي في البقرة [136]، و في الآخرة منهما: آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون [آل عمران: 52]".
وفي رواية: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا [البقرة: 136]، والتي في آل عمران:تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم [آل عمران: 64]" [9]
والحديثان يدلان على استحباب قراءة سورة الإخلاص في الركعة الأولى وسورة قل يا أيها الكافرون في الركعة الثانية من ركعتي الفجر، كما يدل على استحباب قراءة الآية من سورة البقرة وسورة آل عمران، فيقرأ المسلم أحياناً بهذا وأحياناً بهذا؛ تطبيقاً للسنة. [10]
خامساً: الاضطجاع بعدهما:
يستحب المسلم إذا صلى راتبة الفجر في البيت أن يضطجع على شقه الأيمن،
وذلك لما ورد:
أ) عن أبي هريرة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن". أخرجه الترمذي. [11]
والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفيه دلالة على الوجوب؛ إذ هذا مقتضى الأمر[12]، لكن صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب الحديث التالي:
ب) عن عائشة: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى سنة الفجر، فإن كنت مستيقظة؛ حدثني، و إلا؛ اضطجع حتى يؤذن بالصلاة". أخرجه البخاري[13].
فهذا الحديث فيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يترك أحياناً الاضطجاع على شقه الأيمن بعد صلاة راتبة الفجر، ولو كان واجباً؛ ما تركه.
ودعوى الخصوصية وغيرها لا تثبت إلا بدليل، والأصل العموم، والعمل بجميع ما ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - أولى من العمل ببعض دون بعض.
والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع على الجانب الأيمن.
وهل يكون هذا في البيت أو في المسجد؟
حديث أبي هريرة مطلق: فإن صلى راتبة الفجر في المسجد؛ اضطجع في المسجد، و إن صلاها في البيت؛ اضطجع في البيت، لكن لم ينقل عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم فعلوا ذلك[14].
سادساً: من فاتته ركعتا الفجر:
يشرع لمن فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد طلوع الشمس، والأفضل أن يصليهما بعد طلوع الشمس.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يصل ركعتي الفجر؛ فليصلهما بعد ما تطلع الشمس". أخرجه الترمذي. [15]
قلت: ظاهر هذا الحديث وجوب صلاة راتبة الفجر إذا فاتتا بعد طلوع الشمس، لكن هذا الأمر مصروف إلى الاستحباب بدليل الحديث التالي:
عن قيس بن قهد (بالقاف المفتوحة وسكون فدال مهملة)[16] - رضي الله عنه -؛ أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ سلم معه، ثم قام فركع ركعتي الفجر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فلم ينكر ذلك عليه ". أخرجه الترمذي وابن حبان. [17]والحديث يدل على جواز قضاء راتبة الفجر بعد الفرض لمن لم يصلها قبل الفرض.
----------------------------------------
([1]) أما حديث أبي هريرة مرفوعاً: " لا تدعوها وإن طردتكم الخيل" (يعني: سنة الفجر)؛ فإنه حديث ضعيف.
أخرجه أبو داود (1/487-عون)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/299)، وفي سنده عندهما عبدالرحمن بن إسحاق المدني؛ ضعيف، وابن سيلان؛ مجهول الحال. وبالله التوفيق.
([2]) حديث صحيح لغيره.
أخرجه النسائي في (كتاب المواقيت، باب كيف يقضي الفائت من الصلاة، صحيح سنن النسائي باختصار السند حديث رقم 605، 1/133).
والحديث ورد بمعناه عند مسلم في "صحيحه" (حديث رقم 680) عن أبي هريرة، وله شواهد كثيرة عند أبي داود في (كتاب الصلاة، باب في من نام عن الصلاة أو نسيها، صحيح سنن أبي داود باختصار السند، 1/88-90).
وقد قال ابن قيم الجوزية: وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها؛ إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر؛ فإنه لم يكن ليدعهما حضراً ولا سفراً " أهـ. " زاد المعاد" (1/473).
([3]) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 725) والزيادة له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل، حديث رقم 416، 1/320- تحفة)، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 3/252)، والحاكم (1/307).
([4]) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماها تطوعاً، حديث رقم 1169)، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 724).
([5]) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر، حديث رقم 1182) واللفظ له، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب المحافظة على الركعتين قبل الفجر، 3/252) والزيادة له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، حديث رقم 1253)، والدارمي (1/335).
([6]) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب الأذان، باب الأذان بعد الفجر، حديث رقم 618) ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 723) واللفظ له.
([7]) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، حديث رقم 1171)، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 724) واللفظ للبخاري.
([8]) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 726).
([9]) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في الموضع السابق (حديث رقم 727).
=فائدة: في حديث ابن عباس: جواز الاكتفاء بالآية في الركعة، وجواز القراءة من وسط السورة، وجواز أن تسمى السورة دون ذكر لفظ (سورة)، فيقال: الآية التي في البقرة، أو التي في النساء… وهكذا.
([10]) لابن القيم في "زاد المعاد" (1/316- 318) تقرير بديع في حكمة قراءة سورتي الإخلاص في راتبة الفجر؛ فانظره.
([11]) حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، حديث رقم 420)، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الاضطجاع بعدها، حديث رقم 1261)، وصححه ابن خزيمة (1120)، وابن حبان (612-موارد، 6/220، حديث رقم 2468- الإحسان)، وصححه النووي في "شرح مسلم" (6/19) وفي "رياض الصالحين"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، والأرنؤوط في تحقيقه لـ "الإحسان".
([12]) وقال به: ابن حزم في "المحلى" (3/196)، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/29).
([13]) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع، حديث رقم 1161).
([14]) قال العلامة الألباني: " لكن لا نعلم أن أحداً من الصحابة فعله يعني: الاضطجاع بعد راتبة الفجر- في المسجد، بل قد أنكره بعضهم، فيقتصر على فعله في البيت كما هو سنته - صلى الله عليه وسلم - ". أهـ. "صلاة التراويح" (ص 90).
قلت: الأمر كما قال - حفظه الله -، وكذا إذا فاتته راتبة الفجر، فصلاها بعد صلاة الفجر، لا يشرع له الاضطجاع على شقه الأيمن، لعدم نقله، والمفهوم من حديث أبي هريرة مشروعية الاضطجاع على الشق الأيمن بعد راتبة الفجر قبل صلاة الفجر، لا على إطلاقه. والله أعلم.
([15]) حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس، حديث رقم 424)، وصححه الحاكم (1/274)، وابن خزيمة (1117)، وابن حبان (4/224، حديث رقم 2472- الإحسان)، وصححه محققه، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي" (1/133).
([16]) انظر: " المغني في ضبط أسماء الرجال" (ص206).
([17]) حديث حسن لغيره.
أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح، حديث رقم 422، 1/324-تحفة)، و أبو داود في (كتاب الصلاة، باب من فاتته حتى يقضيها، حديث رقم 1267)، وصححه الحاكم (1/274)، وابن خزيمة (1116)، وابن حبان (624-موارد)، (4/222، حديث رقم 2471- الإحسان)، والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه لـ "سنن الترمذي" (2/286)، والألباني في "صحيح سنن الترمذي " (1/133).
= فائدة:في الحديث جواز قضاء الصلوات في وقت النهي.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق