الجمعة، 9 سبتمبر 2011

ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوْجها .




أولاً: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوْجها، أو عبدًا على سيِّده))؛ رواه أبو داود والنَّسائي وابن حبَّان، وصحَّحه الألباني.

خبَّب: أي أفْسَد وخدَع، ويدخُل في هذا كلُّ مَن يحاول الوقيعةَ بين الأزواج بكلمة أو تلميح أو فِعل، أو غير ذلك؛ بنيَّة أن يفسِد المرأة أو يفسد الرَّجل على أهله، فيُبغِّضهم إليه ويُثير نفْسَه عليهم.

فبعض النساء مثلاً لديهنَّ عادة قبيحة، وهي أن تحاول التقليلَ مِن شأن أفعال زوْج صديقتها أو قريبتها؛ فترَيْنَها تنتقد أفعالَ الزوج بصورةٍ خبيثة وغير مباشِرة؛ كأنْ تشاهدَ في بيت صديقتها شيئًا فتبادر بالسخرية منه واستخراج العيوب فيه، وبالأخصِّ إنْ علمت أنَّه هديةٌ من الزوج، أو أنَّ المرأة سعيدةٌ به، وتستعرِض أشياء مماثلة أرْقى وأغْلى وأحْسن، فتشعُر المسكينة بالحرَج، ولعلَّها تُدافِع عن هديتها، لكن يترسَّب في نفْسها مِن الحسرةِ والضِّيق ما يخبِّبها على زوْجها، ويحقر أفعاله الطيِّبة في نفْسها!

أو أن تعرِض المرأةُ على إحْدى صاحباتِها ما أحْضَره زوجُها في البيت؛ فتبادِر بكلِّ مكر: أحْضر لنا زوجي أفضلَ منه، هل زوجكِ بخيل؟!

أو أن تستعرِض محاسنَ بعضِ الأزواج، دون الإشارة إلى زوْج صاحبتها؛ لئلاَّ ينكشِف أمرها، وتمتدح ما تعلم أنَّه ليس في زوْج تلك المسكينة، وتُبالِغ في ذلك بما يُصيب المرأةَ بالهمِّ والغمِّ والتسخُّط على حالها.

وما أكثرَ الأنفُسَ المريضة، التي تسْعَى بسبب أو دون سبب للإفساد بيْن الأزواج، وتسعد بذلك أشدَّ السعادة!

ومِن ناحية أخرى قد يحاول بعضُ الرِّجال أن يُنفِّرَ الرجل من زوجه ويُبغِّضها إليه، فيعمد إلى التحدث عن محاسن امرأتِه الوهميَّة ويَذكُرها على الملأ بالكذِب والتلفيق، فيعقد الزوج مقارنةً سريعةً بيْن ما يسمع وما يجِد في بيته، فتذوب نفْسه حسرةً وحزنًا على حاله، وهو لا يَدري أنَّ حاله أحسنُ وأفضل مِن ذلك الخبيث المريض نفسيًّا، الفاسد قلبيًّا!

ثانيًا: ما فهمتُه مِن قولك: زيادة الجانِب الذُّكوري، أن تَعملَ على إظهار صفات الرُّجولة مِن شجاعة وتحمُّل للمسؤوليَّة، وإدارة شؤون البيت، واتخاذ القرارات، والنُّضج العقلي والرِّيادي في قيادة الأُسرة بشكلٍ عام، وجميع الصفات الحسنة التي يتَّصف بها الرجلُ السَّوي، والبُعد عن صفات الأنوثة بما فيها مِن زيادة مشاعر أو ضَعْف أو غيرها مِن الصفات التي تميِّز المرأة ولا تَعيبها، في حين تَعيب الرجلَ وتجعله خائرَ العزيمة قليل الهمَّة ضعيف الإرادة.

ولن تعين المرأةُ زوجَها على تولِّي منصبِه ورِيادة البيت إلاَّ بقيامها بدورها على أتمِّ وجه وأكْمل صورة؛ بعضُ النِّساء تتفنن في انتقادِ أفعال زوجها، وتقوم بدور المصحِّح لكلِّ صغيرة وكبيرة في الحياة، وتَسْعَى للقضاء على شخصية زوْجها وإخماد كلِّ محاولة منه لتصحيح خطئها، والزَّوجة الحكيمة تلعَب بذكاءٍ على أوتار أحاسيس الزَّوج، وتستخرج نقاط قوَّته بضعفها، وإظهار حاجتِها إليه، وكلَّما بعدتِ الزوجة عن دَورها واقتربت مِن دوْر الزوج، بعد هو عن دورِه واقترَب مِن دورها حتى ينقلبَ الحال، وتتبدَّل الأدوار، وتصبح الحياة جحيمًا، أوَّل مَن يقاسي لهيبَه تلك الزوجة.

ثالثًا: التعامُل مع أهل الزوج هاجسٌ يقضُّ مضاجِع الكثير مِن المقبِلات على الزواج، وأنصحهُنَّ ببساطة أن يتعاملْنَ مع الموقِف بكلِّ هُدوء، وأن تعتبر المرأة أهل زوْجها وكأنَّهم أهلها، في كلِّ صغيرة وكبيرة، مع إعْفائها ممَّا قد تستحيي منه كلُّ فتاة، ولا تبوح به إلاَّ لوالدتها مثلاً، لكن المقصود أن تُحسن الظنَّ بهم وأن تكرمَهم، وتُظهر محبتَها لهم، وتُحسن التعبيرَ عن مشاعرها الإيجابيَّة تُجاههم، بكلِّ بساطة وبُعد عن التكلف.

وفي الحديث: ((والقَصْدَ القصدَ تبْلغوا))؛ أي: الْزمي الاعتدالَ في تعاملكِ معهم، فلا تتقرَّبي إليهم بما يُصيبهم بالضجرِ والملَل والنُّفور، ولا تُجافيهم فيستشعروا منكِ كِبرًا أو غِلْظة.

وبإمكانكِ التعرُّف على بعضِ أنماط الشخصيَّة وكيفيَّة التعامُل مع أصناف البشَر المختلِفة كلٌّ بما يناسبه، فما يُحبُّه الشخص الودود يختلف عمَّا يحبه الشخص العنيد، وما يُفضِّله الشخصُ المتردِّد غير ما يفضِّله الشخصُ المتعالِم، وكلٌّ له أسلوب في التعامل لتفادي أكبر قدْر من المشكلات، ومِن الكتب النافعة في هذا الموضوع:

"كيف تعرف شخصيتك وشخصية الآخرين؟"، تأليف: سلمان بن عبيد الشمراني. وكذلك "أنماط الشخصية"، تأليف: عبدالحكيم السلوم، و"الشخصية العبقرية"، تأليف: عاطف عمارة، و"بوصلة الشخصية"، تأليف: دايان تيرنر وثلما جريكو.

رابعًا: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عندَ الله منزلةً يوم القيامة: الرَّجلَ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشُر سِرَّها))؛ رواه مسلم.

المقصود نشْر ما يحدُث بين الزوجين مِن أمور خاصَّة لا يجوز أن يطَّلع عليها أحد، فيصف امرأتَه ويتحدَّث بالأفعال والأقوال التي تتمُّ بينهما، ولا شكَّ أنَّ حديث الأم مع ابنتها قبلَ الزواج لا يدخُل في هذا الحديث؛ لأنَّها لم تتزوَّج بعدُ!

ويحسن أن توضِّح الأمُّ لابنتها بعضَ الأمور التي قد تجهلها وتُصيبها بالخوف والقلق الشديد، ولا تتركها لتَسمعَ كلمةً مِن هنا ومِن هناك فتقع فريسةَ الهلَع، ويطاردها شبحُ الزواج وصورة ليلة الزفاف الراعِبة، عليها أن تُبيِّن لها ببساطة وبألفاظ مهذَّبة بعيدة عن جرْح المشاعر وتجاوز الحدود.

وأُناشد هنا كلَّ أمٍّ أن تعمل وتبنِي جسرًا متينًا مِن الصداقة بينها وبين بناتها؛ فالفتيات الصغيرات كثيرًا ما يَشتكِين جهلهنَّ بأبسط أمورِ الطهارة وأمور تتعلَّق بالزواج وغيرها، ممَّا تتحرَّج أو تُهمل الأمُّ مناقشتَه مع ابنتها، فتذهب الصَّغيرة لتستقي معلوماتها مِن الصَّديقات أو صفحات (الإنترنت) غير معلومة المصْدر، أو مِن بعض المصادر الأُخرى التي قد تَحْوي ما لا يَليق، أو ما قد يضرُّ الفتاة خُلُقًا وعلمًا، أو قد تلِج عالم الحياة الزوجية بجهلٍ كبير يضرُّ الفتاة، ويؤثِّر على علاقتها بزوجها وأهله وأطفالها، في حين أنَّ علاج المشكلة كان يسيرًا قبل ذلك.

خامسًا: ورَد في الحديث: ((نساؤكم مِن أهل الجَنَّة: الودود، الولود، العؤود على زوْجها، التي إذا غضِب جاءتْ حتى تضَع يدَها في يد زوجها، وتقول: لا أَذوق غُمضًا حتى ترْضَى))؛ رواه الدارقطني والنَّسائي، وحسَّنه الألباني، وضعَّفه طائفةٌ من أهل العلم.

(الوَدود) بفتْح الواو: هي المرأة المتحبِّبة إلى زوجها.

(الولود)؛ أي: الكثيرة الولادة، وإنْ كانت بكرًا فيُنظر إلى أقاربها.

(العؤود) بفَتْح العين: هي التي تعود على زوْجها بالنفع.

(التي إذا غضِب زوجها)، وفي رواية (التي إذا ظُلِمتْ)؛ أي: قصَّر معها زوجها في النَّفَقة أو غيرها، أو غضِب عليها لأمْر من الأمور.

(تضَع يدَها في يدِ زوجها) للاستعطاف والاسترضاء مِن شدَّة أدبِها وجمال خُلُقها، ودليل على إقبالها عليه ورغْبتها فيه وفي ترْضيته.

وقد ثبَت علميًّا أنَّ المصافحة أو ملامسة اليدِ تبْعَث في النفس مِن الرقة والانشراح ما لا تفعله الكلمات، وتؤهِّل المرء نفسيًّا لتقبُّل وجهة نظَر الطَّرَف الآخَر وسماع قوله بنَفْس راضية، وقلْب مقبِل محبّ.

(لا أذوق غُمضًا حتى ترضى)؛ أي: لا أهنأ بنومٍ ولا أستلذُّ به حتى ترْضى عنِّي، وهذا مِن شدَّة بِرِّها بزوجها وطاعتها له، فلا يستطيع الإنسانُ السَّويُّ النوم إذا ما وقَع تحت تأثير القلَق والخوف، وهي لشدَّة قلقِها وخوفها مِن فوات رِضاه عنها لا تغمض عينيها ولا يَرْتاح قلْبها.

ولعلَّ بعض النِّساء تظنُّ أنَّ هذه الصِّفة تنطبِق عليها؛ لأنَّها لا تستطيع النوم عندَ حدوث مشكلةٍ بينها وبيْن زوجها، ولكن الحقيقة - في الغالب كما أرَى - أنَّها لا تستطيع النوم حزنًا وأسفًا على حالها مع زوْجها، وليس لخوفِها مِن سخطه عليها!

والدليل أنَّها لا تقدِر على استرضائه، سواء كان هو المعْتدي أم هي.

سادسًا: كيف يكون احترام الزَّوج، وما الصُّور أو المجالات التي تعبِّر فيها الزوجة عن احترامِها لزوجها؟

احترام الزَّوْج يكون بطاعتِه في المعروف، وإعطائِه المكانةَ التي يستحقُّ في كلِّ موقِف ومع كلِّ حادثة، واحتساب الأجْر في ذلك على الله، وقبل أن نعرِض صورًا أو أمثلةً أحبُّ أن أذكُر لكِ ولكلِّ مقبِلة على الزَّواج، أنَّها كثيرًا ما تفكِّر عكسَ الواقع، وتتعجَّب مِن حال بعضِ الزوجات وتستنكر ردودَ أفعالهنَّ، وكيف يخالفْنَ أمر الله ويرفعْنَ أصواتهنَّ مثلاً، أو يتجرأنَ على أزواجهنَّ، وأدعوهنَّ للتمهُّل قبل الحُكم دون خوضِ التجرِبة؛ فالعلاقة الزوجيَّة وتقارب الزوجين كثيرًا ما يُنسي المرأةَ ويعوقها عن برِّ الزَّوج، وهنا تأتي المعادَلة الصعْبة، كيف تحقِّق المرأة حسنَ التبعُّل بما فيه مِن تودُّد وملاطَفة وغنج، وكافَّة صور التقرُّب إلى الزوج، مع المحافَظة على حدودِ التوقير والاحترام التي لا يجوز تجاوزُها؟ ولهذا عليها أن تجعلَ لكلِّ مقام مقالاً ولكلِّ حادث حديثًا، فيجدُر بها إسقاط التكليف في الأوقات العاطفيَّة مثلاً، وإظهار احترامه في كافَّة الأوقات... وهكذا.

وجميل أن تبالِغ في إظهار الاحترام والطاعَة له أمامَ أهلها وأهله والأبناء، وتخصُّه بمعاملةٍ راقية في تلك الأوقات وأمامَ الناس.

ولا تردّ له الإساءةَ ولو كانت أمامَ الناس، ولا تظنّ المرأة أنَّ هذا يسيء لصورتها أمامَ معارفهم، أو يظهرها بمظهر المنكسِرة الضعيفة، بل هو شرفٌ لها ورفعةٌ أن تظهر بهذا الأدَب الجم، ولا أُخفي عليكِ أنَّه ليس بالأمر الهيِّن، وإنَّما الحلم بالتحلُّم، والصبر بالتصبُّر.

ونصيحتي الأخيرة لكِ: ألاَّ تعاملي زوجَكِ كما تعاملين والدتَكِ أو والدكِ، أو غيرهما ممَّن تحبِّين؛ فالزوج له وضعٌ خاص، وله أسلوبٌ يختلف تمامًا عن غيرِه من أهلنا وأصدقائِنا وغيرهم، ولتفكِّري جيدًا ولتقيسي بميزان حسَّاس احتياجاتِه ورغباته، والأمْر وإنْ لم يكن هينًا، لكن التفاؤل والثِّقة والعزم على النجاح - الذي تلمستُه في شخصيتكِ الرائِعة - يبشِّر بكلِّ خير، وينبِئ بالسَّعادة - بإذن الله - والزوجة الناجِحة لا تعرِف التشكِّي والتبرُّم والتأفُّف، بل تسْعَى جاهدةً لإزالة كلِّ العواقِب، وإماطة كلِّ الشوائب، التي تحول دونَ تحقيق السَّعادة الزوجيَّة، وأرَى أنْ أكتفي بهذا القدر، فقدْ بدأ الإرهاق يغزوني، والتعب يتسلل إليَّ.

ولا يسعني في النهاية إلا أن أدعوَ الله لكِ بالتوفيق والنجاح، وتحقيق كلِّ ما تصبو إليه نفْسُكِ مِن خيري الدنيا والآخرة، ولكِ منِّي ومِن شبكة (الألوكة) أجمل وأعطر تحيَّة، وبارك الله لكِ وباركَ عليكِ، وجمع بينكما في خير


منقـــــول
شبكة الألوكه

كتبه أ. مـــروة يوسف عــاشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق