الأحد، 27 يونيو 2010

أقسام القلوب - اللقاء الثالث

تابع سلامة القلب
الدرس الثالث
أقـــســام القــــلوب
قال ابن القيم رحمه الله .
لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها،انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة
(1) قلب سليم
(2) قلب ميت
(3) قلب مريض
~~~~~~~~~
أولا : القلب السليم
~~~~~~~~~~
فالقلب الصحيح: هو القلب السليم الذى لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى:{يومَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليِمٍ} [الشعراء: 88-89].
والسليم هو السالم، وجاء على هذا المثال لأنه للصفات، كالطويل والقصير والظريف؛ فالسليم القلب الذى قد صارت السلامة صفة ثابتة له، كالعليم والقدير، وأيضا فإنه ضد المريض، والسقيم، والعليل.
وقد اختلفت عبارات الناس فى معنى القلب السليم، (والأمر الجامع لذلك: أنه الذى قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره. فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله).
فسلم فى محبة غير الله معه ومن خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته فى كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التى لا تصلح إلا لله وحده.
فالقلب السليم: هو الذى سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة ومحبة، وتوكلا، وإنابة، وإخباتا، وخشية، ورجاء. وخلص عمله لله، ( أ.هـ) (1)
وقد ذكرنا جزء من هذا الكلام من قبل لكن هنا محل تفصيل إن شاء الله تعالى لأن الأمر يحتاج لذلك لعلنا نفوز بسلامة القلب و هناك كلمة طيبة أعجبتني
{شطر العقيدة ما ينبغي أن تعتقد ، وشطرها الثاني ما ينبغي أن تكون عليه ، فإن كنت تعتقد الصواب ، ولم تكن كما ينبغي فهناك خلل في عقيدتك ، لأنك لم تنتفع بهذا الذي اعتقدت به} .(أ.هـ) (2)
فنحن نعتقد أن سلامة القلب هي سبب للنجاة من عذاب الله فنريد أن نعمل بما نعتقد أي نحاول تحقيق سلامة القلب لذلك نتوقف مع بعض أعمال القلب السليم التي ذكرها الشيخ ابن القيم رحمه الله كي نتعرف عليها بشيء من التفصيل لنعمل على تحقيق ما نعتقد وهو سلامة القلب التي هي سبباً للنجاة .
أولا : محبة الله عز وجل :-
~~~*~~~*~~~
المحبة هي أصل أعمال القلوب ، وشرطاً من شروط لا اله إلا الله ،
" فان الإسلام :- هو الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبة له لا إسلام له البتة ، بل هي حقيقة شهادة إن لا اله إلا الله ،
فان " الإله " هو الذي يألهه العباد حبا وذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة له، بمعنى "مألوه" وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له .
وأصل " التأله " التعبد ، والتعبد آخر مراتب الحب ، يقال : عبده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبة . فالمحبة حقيقة العبودية . (3)
فالعبادة : هى كمال الحب مع كمال الخضوع والذل .
ومحبة الله عز وجل هي أنفع محبة على الإطلاق وأوجبها، وأعلاها، وأجلها، محبة من جبلت القلوب على محبته، وفطرت الخليقة على تأليهه،
إذاً فالمحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات ، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها، وتابع من توابعها كالشوق، والإنس والرضى، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة، والصبر، والزهد، وغيرها .
والله تعالى يُحَبّ لذاته من جميع الوجوه، وما سواه فإنما يحب تبعاً لمحبته، وقد دل على وجوب محبته سبحانه جميع كتبه المنزلة، ودعوة جميع الرسل، وفطرته التي فطر عباده عليها، وما ركّب فيهم من العقول، وما أسبغ عليهم من النعم، فإن القلوب مفطورة مجبولة على محبة من أنعم عليها، وأحسن إليها، فكيف بمن كل الإحسان منه، وما بخلقه جميعهم من نعمة فمنه وحده لاشريك له ،
كما قال تعالى : {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل : الآية 53) .
وما تَعرَفَ به إلى عباده من أسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وما دلت عليه آثار مصنوعاته من كمالاته ونهاية جلاله وعظمته ، كل هذا يدل على وجوب محبة الله عزو جل.
ومن أدلة المحبة:-
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} (البقرة : من الآية 165) .
وقد أقسم النبي – صلى الله عليه وسلم - إنه:" لا يؤمن عبد حتى يكون هو أحب إليه من ولده، ووالده ، والناس أجمعين"(4) .
وقال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "لا حتى أكون أحب إليك من نفسك".(5) أي لا تؤمن حتى تصل محبتك إلى هذه الغاية .
وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم - أولى بنا من أنفسنا في المحبة ولوازمها، أفليس الربّ جل جلاله أولى بمحبته وعبادته من أنفسنا؟ .
كل ذلك داعٍ للقلوب إلى تأليهه ومحبته، فهو سبحانه وتعالى يتحبب إلى العبد بنعمه وهو غنى عنه، والعبد يتبغض إليه بالمعاصي، وهو فقير إليه - فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته، ولا معصية العبد ولؤمه يقطع إحسان ربه عنه.
وأيضاً: فَمطالبك - بل مطالب الخلق كلهم جميعاً - لديه، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، ، ثم نزل إليه سبحانه بنفسه، وقال :
"من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"(6) .
وهو أشد فرحاً بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة ثم وجدها(7)
، وهو الملك لا شريك له، والفرد لا ند له، كل شيء هالكٌ إلى وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا .
من أروع الأمثلة على محبة الله عز وجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد المحبين لله عز وجل . وأصحابه من بعده هم أشد الناس حباً لله عز وجل وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ونذكر هنا موقف واحد له ومواقفه و أدلة حبه لله عز وجل أكثر من أن نحصيها في مقامنا هذا .
عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏قَالَتْ ‏
" اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى فَقَالَ لَهُ أَقِمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ إِنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ قَالَتْ فَانْتَظَرَهُ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ فَقَالَ ‏ ‏أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ الصُّحْبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَأَعْطَى النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِحْدَاهُمَا وَهِيَ ‏ ‏الْجَدْعَاءُ ‏ ‏فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهُوَ ‏ ‏بِثَوْرٍ ‏ ‏فَتَوَارَيَا فِيهِ فَكَانَ ‏ ‏عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ‏ ‏غُلَامًا ‏ ‏لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ ‏ ‏أَخُو ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏لِأُمِّهَا وَكَانَتْ ‏ ‏لِأَبِي بَكْرٍ ‏ ‏مِنْحَةٌ فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا ‏ ‏وَيَغْدُو ‏ ‏عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ ‏ ‏فَيَدَّلِجُ ‏ ‏إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ فَلَا يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّعَاءِ فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏فَقُتِلَ ‏ ‏عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ‏ ‏يَوْمَ ‏ ‏بِئْرِ مَعُونَةَ " .(8)
فترك رضوان الله عليه أولاده وزوجته وداره محبة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تضرب لنا أروع الأمثلة في محبة الله عز وجل فكل مواقف حياتهم محبة لله ورسوله .
وكان ابن المبارك ينشد ابن المبارك :
تعصى الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمـن يحب مطيـع (أ.هـ) (9)
الخوف من الله عز وجل :-
~~~*~~~*~~~
والخوف توقع مكروه لعلامة مظنونة أو معلومة، وهو ضد الأمن ويستعمل في الأمور الدنيوية أو الآخروية فهو توقع حلول مكروه أو فوات محبوب،اضطراب القلب وحركته أو فزعه من مكروه يناله أو محبوب يفوته.
قال ابن قدامة: اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال .
(سلسلة أعمال القلوب للشيخ محمد صالح المنجد / عبادة الخوف/ ص45)
فأما عبادة الخوف: فإن الله تعالى أمر به، قال الله تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (6) آل عمران ،{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }الرحمن46 وأنت تسمع الذي ينصحك يأمرك بالخوف، فيقول: عليك أن تخاف الله، عليك أن تخاف الله تعالى خوفا يحملك على أن تترك المعاصي، وتفعل الطاعات.
وللخوف.. أسباب، ودوافع. إذا حصلت فإن الخوف يظهر أثره:
أهمها عظمة الله تعالى تحمل المسلم على أن يخافه؛ فلذلك نقول: الله تعالى -جل جلاله- هو العظيم، الكبير، المتعالي، هو شديد العقاب، هو العليم بأحوال العباد، هو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم. إذا استحضر المسلم عظمة الله؛ فإنه يخافه، وكذلك أيضا إذا ذُكِّرَ بالعذاب؛ فإنه يخشى الله، فإذا قيل: إن الله تعالى أَعَدَّ لمن عصاه عذابا وبيلا.. عذابا عظيما.. أعد لمن عصاه نارا وجحيما.. أعد لمن عصاه عذابا شديدا؛ فإن ذلك يحمل على الخوف، فيقول العبد: أخاف الله، أو أخاف النار، أو أخاف العقوبة.
وإذا امتثل العبد وخاف من الله تعالى، وخاف من النار رأيته متأثرا. إذا رأيته يترك المعاصي -صغيرها وكبيرها- تقول: هذا يخاف الله. إذا رأيته يفعل العبادات، فيحافظ على النوافل، تقول: هذا يخاف الله.
كذلك أيضا حصول التقوى التي أمر الله بها: وهي أثر من آثار الخوف، الإنسان الذي يخاف الله تعالى يتقيه، ورد في الحديث: مَنْ خاف أدلج، ومَنْ أدلج بلغ المنزل (10)
من خاف: هذا خوف حِسِّيٌّ، وصورة ذلك: إذا كان الإنسان مسافرا وحده على قدميه، وكان في الطريق أعداء يتربصون به، كان في الطريق عُدْوَان له، أو في الطريق كفار يخشى أنهم يبطشون به.
فكيف يفعل في هذا الطريق الطويل، وهو على قدميه؟ يسير في الليل، يقطع السير في الليل إلى أن يبلغ مأمنه، إلى أن يبلغ المنزل الذي يأمن فيه: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل من أدلج: -يعني- سرى في الليل، وصل إلى مكان يأمن فيه. فكذلك مَنْ خاف من عذاب الله، ابتعد عن أسبابه، إذا خاف من النار تَرَكَ المعاصي، إذا خاف من عقوبة الله في الدنيا ترك المحرمات، إذا خاف مِنْ بَطْشِ الله -عز وجل- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ترك الذنوب كلها، وكذلك فعل الطاعات، وحافظ عليها.
وإذا خاف الله فإنه يتقيه، والتقوى ثمرة –أيضا- من ثمار الخوف، والتقوى –أيضا- من العبادات القلبية؛ ولكن يظهر أثرها على البدن؛ ولذلك تطلق التقوى.. على تقوى الله، وعلى تقوى عذابه، وعلى تقوى النار. قال الله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أي: اخشوا عذاب النار، كيف تتقونها؟ -أي- تجعلون بينكم وبينها وقاية وحاجزا. ويحمل على ذلك الخوف منها. (11)
وعن الحسن البصري " من علم أن الموت مورده , والقيامة موعده , والوقوف بين يدي الله تعالى مشهده , فحقه أن يطول في الدنيا حزنه " ( فتح الباري شرح حديث رقم 6005 ).
ثمر ات الخوف من الله عز وجل
~~~~~~~~~~
1- خوفك من الله يجعلك تفر إليه
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }الذاريات50
لن تجد من يقف بجانبك طيلة حدوث الأحداث المتكررة إلا الله عز وجل، إذا خفت منه وهربت إليه سبحانه وتعالى فإن الله يكون معك في جميع الأحداث، ولذلك فإن الله يداول الأيام بين الناس، والذي يحسم مادة الخوف ويقضي على الخوف والذعر هو التسليم لله، فإن من سلم لله واستسلم له وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضعٌ أبداً. فإن النفس التي يخاف عليها قد سلمها إلى وليها وبارئها وخالقها سبحانه وتعالى، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما قدر الله لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، وأن ما لم يكتب فلا يمكن أن يصيبها، هذا الذي يحسم مادة الخوف نهائياً وهذا هو الذي يجعل الإنسان مطمئناً

2- من نتائج الخوف من الله طمأنينة القلب
مشكلتنا -أننا نُذعر ونخاف وننسى بسرعة، تصرفاتنا غير موزونة وغير مضبوطةٍ بموازين الشريعة، ولذلك فإذا كان الخوف من الله لا من غيره؛ فإن الطمأنينة تنزل تلقائياً في القلب والطمأنينة عملٌ آخر من أعمال القلوب: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ذكر الله هو القرآن. والذي يُعرض عن القرآن يتزلزل قلبه، ويضطرب عيشه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي كلامي ، القرآن : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا [طه:124-126] هذه التي من المفروض أن تتذكرها لتنجو وتثبت، وتكون لك حياةٌ سعيدة، وعيشة رغيدة، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127].
وإذا طال الخوف على الإنسان واشتد به وأراد الله أن يريحه ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمئن به، وسكن لهيب خوفه. ولذلك كان للعلماء المذكرين بالله أدوارٌ مهمة في تثبيت الناس، فلما كان ابن القيم رحمه الله يتكلم عن نفسه وعن صحبه عندما تنزل بهم الخطوب، وكان لهم أعداء كُثر بسبب تمسكهم بالسنة، فإنهم عند تزلزل الأمور كانوا يذهبون إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيجلسون إليه، يقول: فما هو إلا أن نسمع كلامه حتى ترتاح القلوب وتهدأ النفوس وتطمئن، والطمأنينة بذكر الله وبمجالسة أولياء الله من الأسباب التي تُحدث الثبات في القلب
3- الخوف من الله سبب لعدم الأمن من مكر الله
والخوف من الله عز وجل يستوجب أمراً آخر من مهمات القلوب، وهو عدم الأمن من مكر الله عز وجل، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47]. هذه الآيات عين الواقع بالضبط، هؤلاء الذين مكروا السيئات فعملوها، ودعوا الناس إليها، وحرضوهم عليها، وشجعوهم على فعلها، هؤلاء الذين يمكرون بالناس في دعائهم إياهم للمعاصي، هؤلاء: أأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض؟ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [النحل:45-46]. وتقلبهم هو تنقلهم في الأسفار وغيرها، وتغيرهم في أحوالهم، ولذلك قال الله في آيةٍ أخرى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99]. فإذاً الناس عندما يؤخذون بالعذاب على أنواع: فمنهم من يأخذه الله وهو مطمئن نائم, ومنهم من يأخذه الله وهو يلعب ويلهو، أو مشغول بالدنيا، فيأتيه العذاب فجأة، ومنهم من يأخذه الله وهو يخاف من وقوع العذاب عليه. ولذلك إذا أخذ الله غيرنا بعذابٍ وهم نائمون مطمئنون، فنحن الآن في مرحلة نخشى أن يأخذنا الله بعذابٍ ونحن على تخوف. لابد -أيها الأخوة- أن نفقه الآيات، ولذلك سنعيد قراءتها: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] أي: لا يتوقعون، لم يدر في بالهم أن الله سيفعل بهم ما فعل، أو يأخذهم في تقلبهم وهم في أسفارهم وذهابهم ومجيئهم، أخذهم الله فأصيبوا فما هم بمعجزين، يصل إليهم الأثر وهم في أقصى الدنيا. ولذلك لما أنزل الله بعاد عذاباً كان منهم قومٌ مسافرون إلى مكان بعيد عن مكان الحدث، فذهب إليهم العذاب فأخذهم في سفرهم! الحالة الثالثة: أو يأخذهم على تخوف، أي: هم يترقبون أن يحدث شيء، فيأخذهم الله في حال الخشية وفي حال الخوف: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل:47] وهم خائفون وجلون مضطربون يخشون حدوث شيء، فيأخذهم الله عز وجل، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوفٌ رحيم. كيف يكون رءوفاً رحيماً؟ إذا لم يعاجلهم بالعقوبة عز وجل، قد يأخذهم مباشرة، وقد يأخذهم بعد إمهال، وقد يأخذهم على تخوف ويكون من أشد أنواع الأخذ، لأنه قد اجتمع عليهم الخوف والعذاب، ولذلك لابد من العودة إلى الله، فنحن الآن في مرحلة مصيرية وفي لحظات عصيبة.(11-أ)
4- الخوف من الله سبب الأمن يوم القيامة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلا ، قَالَ : " وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 742 الدرجة: صحيح
خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الله عزوجل
وعن أم العلاء الأنصارية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا أدري والله لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي وبكم . رواه البخاري
( حققه الألباني / مشكاة المصابيح / كتاب الرقاق / باب البكاء والخوف الفصل الأول /حديث رقم 5340/صحيح ) . قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏"
ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها "
(رواه الترمذي / حققه الألباني / السلسلة الصحيحة / حديث رقم 953 / صحيح)
جاء في الأحوذي شرح جامع الترمذي ‏
أي النار شديدة والخائفون منها نائمون غافلون وليس هذا شأن الهارب بل طريقه أن يهرول من المعاصي إلى الطاعات كذا في التيسير . وقال في اللمعات : ما رأيت مثل النار أي شدة وهولا ينام هاربها ومن شأن الهارب من مثل هذا الشيء أن لا ينام ويجد في الهرب وذلك بالتزام الطاعة واجتناب المعاصي , ولا مثل الجنة أي بهجة وسرورا نام طالبها وينبغي له أن لا ينام ولا يغفل عن طلبها ويعمل عملا يوصل إليها انتهى . ‏
الخـــــشـية :-
~~~*~~~*~~~
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : (( الخشية خوف مبني على العلم بعظمة من يخشى وكمال سلطانه))..
فإذا خفت من شخص لا تدري هل يقدر عليك أم لا فهذا خوف وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية..
(سلسلة أعمال القلوب للشيخ محمد صالح المنجد / عبادة الخوف/ ص45 )

وَ ( ( الْخَشْيَةُ ) ) أَخَصُّ مِنَ الْخَوْفِ ، فَإِنَّ الْخَشْيَةَ لِلْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فَهِيَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً (11) .
فَالْخَوْفُ حَرَكَةٌ ، وَالْخَشْيَةُ انْجِمَاعٌ ، وَانْقِبَاضٌ وَسُكُونٌ ، فَإِنَّ الَّذِي يَرَى الْعَدُوَّ وَالسَّيْلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ حَالَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : حَرَكَةٌ لِلْهَرَبِ مِنْهُ ، وَهِيَ حَالَةُ الْخَوْفِ .
وَالثَّانِيَةُ : سُكُونُهُ وَقَرَارُهُ فِي مَكَانٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ فِيهِ ، وَهِيَ الْخَشْيَةُ
وَأَمَّا الرَّهْبَةُ فَهِيَ الْإِمْعَانُ فِي الْهَرَبِ مِنَ الْمَكْرُوهِ ، وَهِيَ ضِدُّ الرَّغْبَةِ الَّتِي هِيَ سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ .

فَالْخَوْفُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْخَشْيَةُ لِلْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ ،، وَعَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ يَكُونُ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ ، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً (وَفِي رِوَايَةٍ " خَوْفًا " وَقَالَ) لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَلَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ جْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ( 12)
فَصَاحِبُ الْخَوْفِ يَلْتَجِئُ إِلَى الْهَرَبِ ، وَالْإِمْسَاكِ ، وَصَاحِبُ الْخَشْيَةِ يَلْتَجِئُ إِلَى الِاعْتِصَامِ بِالْعِلْمِ ، وَمَثَلُهُمَا مَثَلُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالطِّبِّ ، وَمَثَلُ الطَّبِيبِ الْحَاذِقِ ، فَالْأَوَّلُ يَلْتَجِئُ إِلَى الْحِمْيَةِ وَالْهَرَبِ ، وَالطَّبِيبُ يَلْتَجِئُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْوَاءِ . (أ.هـ ) (13)
الـــــرجـــــــاء :-
~~~*~~~*~~~
الرجاء هو: تعلق القلب بـفضل الله، وبرحمته، وبجزائه؛ ولكن لا بد أن يفعل الأسباب التي يحصل بها على ما يرجوه.
الرجاء هو: الأمل في فضل الله، وفي رحمته، وفي جنته، وفي عافيته، ونصره. تقول: أنا أرجو رحمة الله، أنا أرجو جنته، أنا أرجو ثوابه، أنا أرجو نصره وتوفيقه، أنا أرجو ثوابه العاجل وثوابه الآجل. فنقول: إذا كنت ترجوه فاعبده، إذا كنت ترجوه فإن عليك أن تطيعه، وعليك أن تتقرب إليه بما يحبه.
فأما الذي يقول: إني أرجو الله؛ وهو مع ذلك يفعل المعاصي؛ فإن رجاءه رجاء الكذابين. لعلك قد تذهب تنصح واحدا، وتقول له: اترك هذه المعصية، تب إلى الله من هذا الذنب، ألست بمسلم؟ كيف تصر على هذه المعصية؟ فيقول: أرجو رحمة الله! أرجو جنته! إذا رجيت رحمة الله وجنته فافعل الأسباب، إذا كنت من الصادقين في الرجاء فعليك أن تكون صادقا في فعل ما يتحقق لك به الأجر عند الله تعالى، فأما مع عدم الفعل فإن هذا رجاء الكذابين. (14)
الفرق بين الرجاء والتمني
(سلسلة أعمال القلوب للشيخ محمد صالح المنجد / عبادة الرجاء/ ص33 )
الرجاء التمني
~~~~~~~~
حاله كحال رجل شق الأرض وسواها وبذرها وحرثها وتعهدها بالسقيا والماء وأبعد عنها الآفات وقعد ينتظر حصول الثمرة ونماء الزرع فهذا صاحب رجاء. فهو يرجو رحمة الله وثوابه بعد بذل الأسباب.. ليس رجاء شرعياً..
يكون مع الكسل..، فلا يسلك صاحبه طريق الجد والاجتهاد ولا يبذل جهداً ولا توكلاً فهذا حال من يتمنى أن ينبت زرع بدون أن يبذل ، وصاحبه مفلس..
ثمرات الرجاء
1- يورث طريق المجاهدة بالأعمال.
2- يورث المواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال.
3- يشعر العبد بالتلذذ والمداومة على الإقبال على الله والتنعّم بمناجاته والتلطف في سؤاله والإلحاح عليه.
أن تظهر العبودية من قبل العبد والفاقة والحاجة للرب وأنه لا يستغني عن فضله وإحسانه طرفة عين.
التــــــوكل :-
~~~*~~~*~~~
(توكل) والتوكل: هو الاعتماد على الله – سبحانه وتعالى – في حصول المطلوب، ودفع المكروه، مع الثقة به وفعل الأسباب المأذون فيها، وهذا أقرب تعريف له، ولابد من أمرين:
الأول: أن يكون الاعتماد على الله اعتماداً صادقاً حقيقياً .
الثاني: فعل الأسباب المأذون فيها .
فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب، نقص توكله على الله، ويكون قادحاً في كفاية الله، فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه . (15)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"جماع هذا أنك أنت إذا كنت غير عالم بمصلحتك؛ ولا قادر عليها؛ ولا مريد لها كما ينبغي؛ فغيرك من الناس أولى أن لا يكون عالمًا بمصلحتك؛ ولا قادرًا عليها؛ ولا مريدًا لها؛ والله -سبحانه- هو الذي يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله العظيم؛ كما في حديث الاستخارة: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (رواه البخاري)".
ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"والمقصود أن إله العبد الذي لابد له منه في كل حالة، وكل دقيقة، وكل طرفة عين فهو الإله الحق الذي كل ما سواه باطل، الذي أينما كان فهو معه، وضرورته وحاجته إليه لا تشبهها ضرورة، ولا حاجة، بل هي فوق كل ضرورة، وأعظم من كل حاجة، ولهذا قال إمام الحنفاء: (لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) (الأنعام:76)" (طريق الهجرتين (1/121) ط. عالم الفوائد).
وقال أيضًا: "وجماع هذا أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك، ولا قادر عليها، ولا مريد لها كما ينبغي؛ فغيرك أولى أن لا يكون عالمًا بمصلحتك، ولا قادرًا عليها، ولا مريدًا لها، والله -سبحانه- هو يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله لا لمعاوضة، ولا لمنفعة يرجوها منك، ولا لتكثر بك، ولا لتعزز بك، ولا يخاف الفقر، ولا تنقص خزائنه على سعة الإنفاق، ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إليه، واستغنائه به بحيث إذا أخرجه أثـَّر ذلك في غناه، وهو يحب الجود والبذل، والعطاء والإحسان أعظم مما تحب أنت الأخذ والانتفاع بما سألته؛ فإذا حبسه عنك فاعلم أن هناك أمرين لا ثالث لهما: أحدهما: أن تكون أنت الواقف في طريق مصالحك، وأنت المعوق لوصول فضله إليك، وأنت حجر في طريق نفسك، وهذا هو الأغلب على الخليقة" "السابق".
http://www.alsalafway.com/cms/news.php?action=news&id=9212
الإنـــــابة :-
~~~*~~~*~~~
الإنابة إلى الله عز وجل كما قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54]. ولما مدح الله تعالى داود قال: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ [ص:24] وقوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:31-33].
فإذا أنابت القلوب إلى الله في وقت الشدة حصل الخير وثبت الناس، الإنابة إلى الله هي الرجوع إليه والأوبة، والتوبة إليه سبحانه وتعالى. قال تعالى: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر:13] ( أ- هـــ )(16)
وَالْإِنَابَةُ إِنَابَتَانِ : إِنَابَةٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ ، وَهِيَ إِنَابَةُ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا ، يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ فَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ دَاعٍ أَصَابَهُ ضُرٌّ ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ ، وَهَذِهِ الْإِنَابَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ ، بَلْ تُجَامِعُ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَهَذَا حَالُهُمْ بَعْدَ إِنَابَتِهِمْ .
وَالْإِنَابَةُ الثَّانِيَةُ إِنَابَةُ أَوْلِيَائِهِ ، وَهِيَ إِنَابَةٌ لِإِلَهِيَّتِهِ ، إِنَابَةَ عُبُودِيَّةٍ وَمَحَبَّةٍ .
وَهِيَ تَتَضَمَّنُ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ : مَحَبَّتَهُ ، وَالْخُضُوعَ لَهُ ، وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ ، وَالْإِعْرَاضَ عَمَّا سِوَاهُ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمُ الْمُنِيبِ إِلَّا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَرْبَعُ ، وَتَفْسِيرُ السَّلَفِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي اللَّفْظَةِ مَعْنَى الْإِسْرَاعِ وَالرُّجُوعِ وَالتَّقَدُّمِ ، وَالْمُنِيبُ إِلَى اللَّهِ الْمُسْرِعُ إِلَى مَرْضَاتِهِ ، الرَّاجِعُ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ ، الْمُتَقَدِّمُ إِلَى مُحَابِّهِ . (17) (أ .هـ )
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(1)( إغاثة اللهفان / الجزء الأول / الباب الأول: فى انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت ص 7 ،8)
(2) (الدرس"26"من العقيدة الإسلامية من خلال القرآن والسنة : مستلزمات العقيدة - الإنابة ، للدكتور محمد راتب النابلسي)
(3) (المبحث السابع: نماذج من أعمال القلوب - ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي - لسفر الحوالي - 2/553 ). http://www.dorar.net/enc/firq/562
(4) (رواه مسلم / المسند الصحيح / كتاب الإيمان / باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من / حديث رقم 62 / صحيح )
(5) ( رواه البخاري / الجامع الصحيح / كتب الأيمان والنذور / باب ‏كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم‏ / حديث رقم 6142 / صحيح ).
(6) "أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " ‏
( رواه البخاري / الجامع الصحيح / كتب التوحيد / باب ‏‏قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله‏ ‏ / حديث رقم 6940 / صحيح ).
(7) ‏"لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض ‏ ‏دوية ‏ ‏مهلكة معه ‏ ‏ راحلته ‏ ‏عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى ‏ ‏مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده ‏راحلته ‏ ‏وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا ‏ ‏براحلته ‏ ‏وزاده "
(رواه مسلم / المسند الصحيح / كتاب التوبة / باب ‏في الحض على التوبة والفرح بها‏ / حديث رقم 4929 / صحيح ).
(8) ( رواه البخاري / الجامع الصحيح / كتاب المغازي / باب ‏غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة‏ ‏ / حديث رقم 3784 / صحيح ).

(9)( محبة الله عز وجل / للشيخ الدكتور أحمد فريد / بتصرف) .
http://www.islammessage.com/articles.aspx?acid=125&aid=8356&cid=1
(10) ( رواه الترمذي / وحققه الألباني / صحيح الترغيب والترهيب / كتاب التوبة والزهد / الترغيب في الخوف وفضله / حديث رقم 3377 / صحيح ) .
(11) (محاضرة نوافل العبادات وأنواعها /العبادات القلبية / للشيخ ابن جبرين رحمه الله ).
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=8&book=132&toc=7604
(11/أ) ( الخوف من الله عمل قلبي له فوائد ) جزء من محاضرة : (أعمال القلوب في أوقات الشدة محمد صالح المنجد http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=100859#100859
(12) ( رواه البخاري / الجامع الصحيح / كتب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب ‏‏‏ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين‏ ‏ / حديث رقم6757 / صحيح ).
(13) ( رواه البخاري / الجامع الصحيح / كتب الرقاق / باب ‏‏‏‏قول النبي صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم‏ ‏ ‏ / حديث رقم6005 / صحيح ).
(14) (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين » فصل في منازل إياك نعبد » فصل منزلة الخوف ») .
(15) محاضرة نوافل العبادات وأنواعها /العبادات القلبية / للشيخ ابن جبرين رحمه الله ).
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=8&book=132&toc=7604
(16) (القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – الجزء الثاني /صفحة 228)
(17) (جزء مفرغ من محاضرة وجوب الإنابة إلى الله وقت الشدة / الشيخ محمد صالح المنجد / الشبكة الإسلامية)
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=100857
(18) (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين » فصل في منازل إياك نعبد » فصل منزلة الإنابة ») .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق