بسم الله الرحمن الرحيم

التثبت وعدم الاستعجال في نقل الأخبار من هدي الأبرار



الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المبشرين وإمام المنذرين, وعلى آله وصحبه والتابعين.
وبعد: فإنه لا يخفى على الجميع ما يثيره نشر الخبر السار والضار على نفسية السامع حزنا وسروراً, ومن هنا حث الشرع على التثبت في نقل الأخبار, وذلك لما في نقلها من الآثار النفسية والاقتصادية والاجتماعية, سلبا وإيجاباً.

وبسب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة النت صار العالم اليوم كقرية, وبات نقل الخبر يسيرا, لكن غاب عن الكثير أدب إسلامي في نقل ما يسمعون, ألا وهو التثبت من صحة هذا المنقول, حتى لا يقعوا في المحذور, وانظر يا رعاك الله إلى هذا الأدب القرآني,حيث قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا},( النساء:83).

قال العلامة السعدي_ رحمه الله_:" هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق, وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها.

فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك, وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.

وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟

ثم قال تعالى:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون: {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر, فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم.
قال الحافظ ابن كثير_ رحمه الله تعالى_, عند قوله:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}, إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ.
وأورد ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال: "كفى بالمرء كذبا أَنْ يُحدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ"(1 ).

وَما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ_ رضي الله عنه_: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى الله عليه وسلم_:" نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ "( 2), أَيْ: الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَثبُّت، وَلَا تَدبُّر، وَلَا تبَيُّن .

وَما فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: "بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُلِ زَعَمُوا "( 3).

قال الخطابي: في معالم السنن:" أي: كفى المرء من حديث الكذب تحديثه بكل ما سمعه ، وذلك لأنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حديث بكل ما سمع فقد كذب ، لأخباره بما لم يكن".

فكل هذه النصوص تأمرنا كمسلمين بالثبات والتثبت والتأني, ورد الأمر إلى أهله قبل نشره, حرصا على إذاعة ما يسر إذا كان فيه مصلحة راجحة لعموم الأمة, أو كتمه, وكتم ما يضر إذا كان فيه مفسدة راجحة للأمة أو اذاعته ونشره.


إن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله
حرره في السادس من شهر الله الحرام لعام 1435هـ
أبو عبد الله الأثري
عفى الله عنه



( 1) صحيح مسلم برقم: (5) وسنن أبي داود برقم: (4992)  : صححه الألباني |
المصدر : صحيح الجامع
  برقم: 4482 | خلاصة حكم المحدث : صحيح .
(2 ) صحيح البخاري برقم: (1477) وصحيح مسلم برقم: (593) .
( 3) رواه أبو داود: (4972), وصححه العلامة الألباني.

منقول