السبت، 21 مارس 2015

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (كتاب الرقاق من صحيح البخاري )



المجلس السادس عشر
2 جمادى الأخرة 1436 هـــ
الباب الثامن



بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا


بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) جَمْعُهُ سُعُرٌ قَالَ مُجَاهِدٌ الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ .


الشرح

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذا التوجيه لعموم الناس حتى الكافر يدخل في
هذا التوجيه من الله لأن الدنيا تغر الكافر وتغر المؤمن.
قوله: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) يشمل وعده ووعيده ، وعده لأهل
العمل الصالح بالثواب الجزيل وبالجنة ووعيده لأهل العمل السيئ بالعقوبة والنار.


وقوله: ( حق ) يعني: ثابتاً واقعاً لا بد منه .
قوله: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) هذا هو الشاهد ، فلا تخدعنكم الحياة الدنيا ، فهي خداعة غرارة تغر الإنسان ، والدنيا: ما أشار الله إليه في قوله: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  } كل ما في الدنيا أجمله الله في هذه الآية ، والإنسان قد يغره المال ، وقد تغره النساء ، وقد يغره الجاه ، المهم أن الجوانب كثيرة في الدنيا ، والآية عامة ( ولا تغرنكم الحياة الدنيا ).


قوله: ( وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) والغرور هو الشيطان بدليل قوله بعدها: { إن الشيطان لكم عدو } فالغرور أيضاً الذي يغر ويخدع ، ولعله يشمل شيطان الإنس ، وشيطان الجن ، فشيطان الجن هو ذلك العالم الغيبي الذي لا نشاهده ، لكن نعرفه بآثاره ، وشيطان الإنس ظاهر.


دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ،
وما أكثر دعاة جهنم لا سيما في زماننا هذا !


وقوله: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } في الآية خبر ، وأمر ن أما الخبر فقوله: إن الشيطان لكم عدو ، والأمر: فاتخذوه عدوا ، أي اجعلوه عدواً حقيقياً ، وإذا اتخذناه عدواً حقيقياً فلن ننخدع به ، إذا أمرنا عصيناه ، وإذا نهانا خالفناه فهذا عدوك لا يمكن أن يأمرك بما فيه مصلحتك أبداً ، ولا ينهاك عما فيه مضرتك ، إنما ينهاك عما فيه مصلحتك. لهذا قال: { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } يدعوهم لهذا ليكونوا من أصحاب النار ، وبهذا التحديد يمكننا أن نعرف أوامر الشيطان ، فكل ما يوجب الدنس والعقربة فهو من أوامر الشيطان لأنه يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ، إذاً ، فكل دعوة تحس بها في نفسك لترك واجب أو فعل محرم فاعلم أنها من الشيطان فتجنبها ، لأن الله يقول:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وهذه قاعدة ، أظنها لا تخفى على أحد ، فلو قال قائل: أنا لا أشاهد الشيطان ، قلنا: هذا هو الميزان ، بينه الله في كتابه أنه متى أحسست من نفسك ميلاً إلى معصية فاعلم أن هذا من الشيطان فخالفه.



س: ما الفرق بين النفس الأمارة بالسوء ، وبين أمر الشيطان ؟
ج: النفس الأمارة بالسوء هي مؤتمرة بأمر الشيطان ، لأنها تأمر بما يأمر به الشيطان.

س: الآ ية: { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }
والمؤمن ليس من أصحاب السعير ؟

ج: إذا كان هو يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير
فمعناه كل دعوة توجب العقاب هي من دعوة الشيطان لأننا نعلم أنه لا يدعو إلا لهذا الشيء ، ولكن ذكر حزبه لأنهم هم الذين يتقبلون كل ما أمر به ، أما غير حزبه فقد يقبلون ، وقد لا يقبلون ، ولهذا جاءت اللام الدالة على العاقبة فهي للعاقبة وللتعليل .. كما إن الحزب قد يكون حزباً تاماً ، وقد يكون حزباً باعتبار موافقته في بعض الشيء ، فتكون مثلاً إذا ساعدت رجلاً في مسألة من المسائل ، وإن لم تساعده في كل أمره فأنت حزب له في هذه المسألة.

(أ.هـ) شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله لكتاب الرقاق من صحيح البخاري








قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ السَّعِيرِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَتَيْنِ

قَوْلُهُ جَمْعُهُ سُعُرٌ بِضَمَّتَيْنِ يَعْنِي السَّعِيرَ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ السَّعْرِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَهُوَ الشِّهَابُ مِنَ النَّارِ


قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي [ ص: 255 ] تَفْسِيرِهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ تَقُولُ غَرَرْتُ فُلَانًا أَصَبْتُ غُرَّتَهُ وَنِلْتُ مَا أَرَدْتُ مِنْهُ " وَالْغِرَّةُ " بِالْكَسْرِ غَفْلَةٌ فِي الْيَقَظَةِ وَالْغَرُورُ كُلُّ مَا يَغُرُّ الْإِنْسَانَ وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِالشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ رَأْسٌ فِي ذَلِكَ (أ.هـ)




فتح الباري شرح صحيح البخاري .




قال الإمام البخاري رحمه الله


6069 حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْتَرُّوا .


الشرح


الشاهد في قوله: (لا تغترُّروا ) أي لا تغترُّروا بالشيطان وبالحياة الدنيا ، وغير ذلك ، وهذا كله مفتوحة مرة ومضمومة مرة ، وهي: ( الوَضوء ، والوُضوء ) وكلمة ( طَهور وطُهور ) و ( الوُضوء والطُهور ، بالضم ) هو الفعل كما قال عليه الصلاة والسلام ، الظُهور شطر الإيمان ، والوُضوء كذلك المقصود به الفعل أيضاً كغسل يديك والوجه ، وما أشبه ذلك0 ( أما الطَهور ـ الوَضوء ) فهو ما يتطهر به ، قال تعالى: { وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً } أي مطهراً ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ). 


س: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من توضأ ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ثم قال: لا تغتروا فهل معناه لا تغتروا بهذه المغفرة ؟
ج: نعم ، يُحتمل هذا المعنى ، والاغترار بالغفران معناه الأمن من مكر الله فيدخل في أمر الشيطان.


س: قلنا في الحديث ثم أتى المسجد فصلى ، فماذا لو صلى في بيته ؟

ج: الحديث الآخر عام ، من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى
ركعتين لا يحدث فيهما نفسه.


س: في الحديث السابق قوله: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا محالة ـ أو لا بد ـ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي ...).

هل ورد هذا الدعاء في غير هذه الحالة أي في غير حالة ضر نزل ؟
ج: نعم ، ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوه في غير الحالة. انتهى كلام الشيخ.



والحديث هو: قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً ، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )

[صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج2 رقم 7611 ]0 (أ.هـ)

شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله لكتاب الرقاق من صحيح البخاري





قَوْلُهُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ) فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حُمْرَانَ " فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ " وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمْرَانَ بَيَانُ صِفَةِ الْإِسْبَاغِ الْمَذْكُورِ وَالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَقَوْلُ عُرْوَةَ " إِنَّ هَذَا أَسْبَغَ الْوُضُوءَ "


قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ هُنَاكَ تَوْجِيهُهُ وَتُعُقِّبَ مَنْ نَفَى وُرُودَ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ " مِثْلَ " وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُرُودِهَا بِلَفْظِ " نَحْوَ " التَّعَذُّرُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -


قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ هَكَذَا أَطْلَقَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ نَحْوُ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَيَّدَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حُمْرَانَ بِلَفْظِ " ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ " وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ عِنْدَهُ " فَيُصَلِّي صَلَاةً " وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْهُ " فَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ " وَزَادَ " إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا " أَيِ الَّتِي سَبَقَتْهَا وَفِيهِ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَإِنَّ التَّقَدُّمَ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ الَّذِي بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ حُمْرَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ فَيُتِمُّ الطَّهُورَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُنَّ، وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ حُمْرَانَ " إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُثْمَانَ بِنَحْوِهِ وَفِيهِ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ لَمْ يَغْشَ الْكَبِيرَةَ وَقَدْ بَيَّنْتُ تَوْجِيهَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاضِحًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِحُمْرَانَ [ ص: 256 ] عَنْ عُثْمَانَ حَدِيثَيْنِ فِي هَذَا أَحَدُهُمَا مُقَيَّدٌ بِتَرْكِ حَدِيثِ النَّفْسِ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْمَكْتُوبَةِ وَالْآخَرُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَرْكِ حَدِيثِ النَّفْسِ



قَوْلُهُ قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْتَرُّوا قَدَّمْتُ شَرْحَهُ فِي الطَّهَارَةِ وَحَاصِلُهُ لَا تَحْمِلُوا الْغُفْرَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَتَسْتَرْسِلُوا فِي الذُّنُوبِ اتِّكَالًا عَلَى غُفْرَانِهَا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ هِيَ الْمَقْبُولَةُ وَلَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُكَفَّرَ بِالصَّلَاةِ هِيَ الصَّغَائِرُ فَلَا تَغْتَرُّوا فَتَعْمَلُوا الْكَبِيرَةَ بِنَاءً عَلَى تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّغَائِرِ أَوْ لَا تَسْتَكْثِرُوا مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنَّهَا بِالْإِصْرَارِ تُعْطَى حُكْمَ الْكَبِيرَةِ فَلَا يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَهْلِ الطَّاعَةِ فَلَا يَنَالُهُ مَنْ هُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



                                                                  
فتح الباري شرح صحيح البخاري .


السبت، 7 مارس 2015

الزبير بن العوام رضي الله عنه رضي الله عنه

الزبير بن العوام رضي الله عنه رضي الله عنه

المجلس الثاني والثلاثون

13 جماد الأول 1436 هــ
 
 
صــ149 الصحيح المسند في فضائل الصحابة

قال الطبراني : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ، يكنى : أبا عبد الله ، أمه : صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .



يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في : قصي بن كلاب .


أسلم مع أوائل من أسلم من الصحابة ، فكان رابعاً أو خامساً
بعد أبي بكر الصديق رضي الله عن الصحابة أجمعين .


أمه رضي الله عنها: صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،أسلمت وحسن إسلامها


زوجته رضي الله عنها : أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله
عنها ، وله زوجات غيرها .


الزبيــر بن العــوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : ( من يأتينا بخبر القوم ) . فقال الزبير : أنا ، ثم قال : ( من يأتينا بخبر القوم ) . فقال الزبير : أنا ، ثم قال : ( من يأتينا بخبر القوم ) . فقال الزبير : أنا ، ثم قال : ( إن لكل نبي حواريا ، وأنا حواري الزبير) .



الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4113خلاصة حكم المحدث: [صحيح].




معنى حواري


فإن الحواريين هم صفوة الأنبياء الذين قد خلصوا لهم، ولهذا سمي أصحاب عيسى ابن مريم عليه السلام، حواريين لأنهم كانوا أنصاره من دون الناس، ثم قيل لناصر نبيه حواري إذا بالغ في نصرته تشبيهاً بأولئك.


قال الزجاج: الحواريون خلصاء الأنبياء عليهم السلام، وصفوتهم، قال: والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمي وحواريي من أمتي، أي خاصتي من أصحابي وناصري. قال: وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حواريون.


وتأويل الحواريين في اللغة: الذين أُخْلِصوا ونقوا من كل عيب.

والحديث الذي ذكره الزجاج رواه أحمد بسند صحيح، وأصله في البخاري.

وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.


قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14].




المصدر
إسلام ويب مركز الفتوى.




عثمان يشهد بصلاحية الزبير للإمارة


أصاب عثمان بن عفان رعاف شديد سنة الرعاف ، حتى حبسه عن الحج ، وأوصى ، فدخل عليه رجل من قريش قال : استخلف ، قال : وقالوه ؟ قال : نعم ، قال : ومن ؟ فسكت ، فدخل عليه رجل آخر - أحسبه الحارث - فقال : استخلف ، فقال عثمان : وقالوا ؟ فقال : نعم ، قال : ومن هو ؟ فسكت ، قال : فلعلهم قالوا الزبير ، قال : نعم ، قال : أما والذي نفسي بيده ، إنه لخيرهم ما علمت ، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .




الراوي: عثمان بن عفان المحدث: البخاري -
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3717 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح].




الرعاف : دَمٌ يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفِ .


والرعاف هو خروج الدم من الأنف، ويطلق على الدم نفسه الرعاف وأصله السبق، فإن الرعاف يسبق علم الراعف ويغلبه كما قال أهل اللغة، وقد سبق ذكر خلاف الفقهاء في نقض الوضوء به.




الزبير ممن استجابوا لله ورسوله


قالت لي عائشة : كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول
من بعد ما أصابهم القرح .




الراوي: عروة بن الزبير المحدث: مسلم - المصدر:
صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2418خلاصة حكم المحدث: صحيح.




يا عروة كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير


الراوي: عروة بن الزبير المحدث: الألباني - المصدر:
صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 101-
خلاصة حكم المحدث: صحيح.






قال تعالى ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ال عمران 172





قال السعدي رحمه الله (لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من "أحد" إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى "حمراء الأسد" وجاءهم من جاءهم وقال لهم: ( إن الناس قد جمعوا لكم ) وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه.





( وقالوا حسبنا الله ) أي: كافينا كل ما أهمنا ( ونعم الوكيل ) المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم.

( لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قالوا : لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم شر ما صنعتم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد أو بئر أبي عيينة فأنزل الله عز وجل : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فأتوه فلم يجدوا به أحدا وتسوقوا فأنزل الله عز وجل : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } . )




الراوي: عكرمة المحدث: الوادعي - المصدر:
صحيح أسباب النزول - الصفحة أو الرقم: 66 خلاصة حكم المحدث: صحيح .


هجرة الزبير بن العوام


كان من المهاجرين بدينهم إلى الحبشة، تزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وهاجرا إلى المدينة، فولدت له أول مولود للمسلمين في المدينة عبد الله بن الزبير ، ثم مصعب .





قلة رواية الزبير بن العوام للحديث


قلت للزبير بن العوام ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود وفلانا وفلانا قال أما إني لم أفارقه منذ أسلمت ولكني سمعت منه كلمة يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.




الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: الألباني - المصدر:
صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 34خلاصة حكم المحدث: صحيح


في يوم بني قريظه جمع له رسول الله بين أبويه

فقال فداك أبي وأمي




( كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء ، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا ، فلما رجعت قلت : يا أبت رأيتك تختلف ؟ قال : أو هل رأيتني يا بني ؟ قلت : نعم ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم ) . فانطلقت ، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال : ( فداك أبي وأمي ) .


الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: البخاري -
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3720

خلاصة حكم المحدث:صحيح




[ من الألفاظ الشائعة عند العرب.]

والمراد من (فداك أبي وأمي )أن: أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك وهي

فقد ذهب جماهير العلماء إلى جواز التفدية بالأبوين وهو الصحيح.


المصدر




كان وقافا عند أوامر رسول الله


))خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك ) . فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ، فتلون وجهه ثم قال : ( اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك ) . واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم حقه في صريح الحكم ، حين أحفظه الأنصاري ، كان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة . قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . ((





الراوي: عروة بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4585خلاصة
حكم المحدث: [صحيح].




الزبير بن العوام متوكلا على الله


لما وقف الزبير يوم الجمل ، دعاني فقمت إلى جنبه ، فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا ؟ فقال : يا بني بع مالنا فاقض ديني ، وأوصى بالثلث ، وثلثه لبنيه - يعني بني عبد الله بن الزبير - يقول : ثلث الثلث ، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك ، قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير ، خبيب وعباد ، وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات . قال عبد الله : فجعل يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي . قال : فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله ، قال : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه ، فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين ، منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر ، قال : إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير : لا ، ولكنه سلف ، فإني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ، ولا جباية خراج ، ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ، قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي ، كم على أخي من الدين ؟ فكتمه ، فقال : مائة ألف ، فقال حكيم : والله ما أرى أموالكم تسع لهذه ، فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف ؟ قال : ما أراكم تطيقون هذا ، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي ، قال : وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ، ثم قام فقال : من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على الزبير أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم ، قال عبد الله : لا ، قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم ، فقال عبد الله : لا ، قال : قال : فاقطعوا لي قطعة ، فقال عبد الله : لك من ها هنا إلى ها هنا ، قال : فباع منها فقضى دينه فأوفاه ، وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة ، فقال له معاوية : كم قومت الغابة ؟ قال : كل سهم مائة ألف ، فكم بقي ، قال : أربعة أسهم ونصف ، قال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهما بمائة ألف ، قال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن زمعة : قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية : كم بقي ؟ فقال : سهم ونصف ، قال : أخذته بخمسين ومائة ألف ، قال : وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف ، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه ، قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا ، قال : لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين : ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ، قال : فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ، قال : فكان للزبير أربع نسوة ، ورفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف ، فجميع ماله خمسون ألف ألف ، ومائتا ألف .




الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: البخاري -
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3129 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح].





مقتل الزبير رضي الله عنه .

قتل الزبير رضي الله عنه غدراً يوم الجمل بعد على يد رجل يقال له بن جرموز .



الخميس، 5 مارس 2015

اللَّطِيفُ


اللَّطِيفُ

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعدُ:
فإنه كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الأعراف:180]، وكما أنه الله تعالى واحد، فهو وحده المتصف بالأسماء الحسنى، كما قال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8]. فما عرف عبدٌ ربَّه بمثل ما تعرف عليه من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العُلى.


بل سترى من نفسك عجبًا، نحو الله تعالى وشعورًا تجاهه، وتعاملا معه، وخشية منه، ومحبة له، وإذعانًا له، وتعظيمًا لجَنَابه الكريم، حين تعرف معنى اسمه اللطيف، وكلَّما ازددت معرفة باسم، ازددت تقوى وعبودية له.
ومن هذه الأسماء الحسنى، البالغة في الحسن منتهاه، بل لا نهاية لكمال حسنها: اسم الله اللطيف.


واللطيف: وصف مشتق من اللطف أو من اللطافة. يقال: لطَف- بفتح الطاء- بمعنى رفق، وأكرم، واحتفى. ويتعدى بالباء وباللام باعتبار ملاحظة معنى رفق أو معنى أحسن.

وإِنَّمَا يسْتَحق هَذَا الِاسْم من يعلم دقائق الْمصَالح وغوامضها وَمَا دق مِنْهَا وَمَا لطف ثمَّ يسْلك فِي إيصالها إِلَى المستصلح سَبِيل الرِّفْق دون العنف فَإِذا اجْتمع الرِّفْق فِي الْفِعْل واللطف فِي الْإِدْرَاك تمّ معنى اللطف وَلَا يتَصَوَّر كَمَال ذَلِك فِي الْعلم وَالْفِعْل إِلَّا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فاللَّطِيف: صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَاسْمٌ مِنْ أَسمائه. فهو اسم ذات تضمَّن صفة فعل، وقد ذُكِر في القرآن سبع مرات، خمسٌ منها مطلقًا غير مقيَّد، ومقرونا بالخبير:
{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج:63]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:34].


ومرتان منها جاء مقيَّد ومُعَدًّى بحرف جر: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف:100]، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [الشورى:19].

ومن خلال هذه السياقات وجد العلماء لاسم الله "اللطيف" معنيين أساسيين، يشتملان على معاني فرعية لا حصر لها ولا عد. يقول ابن القيم في نونيته، وهي من أحسن ما نظم في التوحيد وأجمعه، يقول:
وهو اللطيف بعبده ولعبده**** واللـطـف فـي أوصافه نوعـــان
إدراك أسرار الأمور بخبرة **** واللطف عند مواقع الإحـــسان


فمن خلال قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى:19]. فلاحظ أنه سبحانه قيَّد لطفَه بعباده، وعدَّاه بحرف الباء، فهو لطيفٌ بهم، بمعنى يعلم حالهم ومآلهم، ويعلم ما دقَّ وخفي مما ينفعهم أو يضرهم، وما يصلحهم أو يفسدهم، لأنه سبحانه هو خالقهم كما قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. ويعلم ما أظهروا من أعمال وأقوال، وما أخفوا، كما قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [بالرعد:9-10].

وقال تعالى:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، فقال تعالى: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ}، فتمكنه من للطف علما وقدرة وحسن تدبير، يصل إلى مثقال الذرة المتناهي الصغر، فيأتي فيبلغها علمه ويحيط بها، ثم يأتي بها من قلب تلك الصخرة، مع سلامتها من التصدع.

والمعنى الثاني لاسم اللطيف يدل عليه قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100]. فعدَّاه باللام: {لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ}، فهو الذي بلطفه يوصل الخير إلى مخلوقاته، ويدبر لهم بحكمته، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، يسوقهم إلى مصالحهم وهم كارهون، ويسوقها إليهم وهم شاردون، يمكنهم منها وهم عاجزون، ولو تأملت حال الإنسان مذ كان جنينا في بطن أمه، ولطف الله يحوطه، وينتقل به لما كان منك إلا أن تسجد لعظمة الله ورفقه بهذا المخلوق.

بل إنه تعالى لطيف بالعباد كلهم، بَرهم وفاجرهم، لكنَّ لطفه بالبَّر لطفٌ خاص مستمر في الدنيا والآخرة، ولطفه بالفاجر لطفٌ عام يكون ابتلاءً وامتحانًا، وربما يزداد الفاجر به فجورًا بما لطف الله، ويستعمل نعمته في معصيته. قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:32].

وفي قوله تعالى : {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}، عقَّب على صفة اللطف بأنه يرزق من يشاء، فمن لطفه تعالى يسوق إليك الرزق من حيث لا تحتسب ولا تشعر ولا تقدر له سببًا، وهذا الجنين في بطن أمه، يوصل إليه الغذاء من حيث لا تشعر أمه التي تحمله فضلا عن الجنين الذي لا يعقل، ثم يرزق الثدي يرضعه من غير حول منه ولا قوة، ويخرج له اللبن السائغ من بين فرث ودم، من حيث أن تشعر الأم بمصنع الحليب في صدرها، ولا تسمع لآلات صوتا ولا ضجيجا. ويمنع الصبي الأسنان حتى لا يأكل ثدي أمه، فيؤذيها ويَحرم نفسه سلامة المنبع.. ثم يرزقه أسنانا لبنية يتمرس بها على أكل ما يناسب جسمه ومعدته، ولا يُعطيه أسنانا عظمية تؤذيه وتشوِّه منظر فمه الجميل، حتى إذا نمى وكبر، أذاب الله أسنانه تلك، فنُزعت واحدة واحدة بيسر وسهولة، ويرزقه أخرى تليق وتناسب.
ومعرفة الإنسان بهذا الاسم ومعناه، وإيمانه به لله على الوجه الذي يليق به سبحانه، على قاعدة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]؛ فإنه يؤثر فيه آثارًا عديدة، منها:

  • أنه بمعرفته أن الله لطيف يعلم ما جلَّ وما دق، وما ظهر وما خفي، حتى ما انطوت عليه الصدور، فإنه عنئذ يلتزم جانب التقوى، ويجتهد في ألَّا يراه حيث نهاه، ولا أن يفتقد حيث أمره.
  • وبمعرفته أن الله هو الذي يوصل الرزق لعباده، فلن يطلب رزقه من غيره، ولا يخدش عقيدته بولاء لمخلوق ولا بتوكل عليه ولا طمعًا في مخاليق محاويج مثله.
  • ومعرفته أن ذلك عند الله ومنه، فإنه يخاف إغضاب الله تعالى فيمسك عنه خيره، ويحجب عنه توفيقه، ويرفع عنه رعايته، أو يزيل عنه نعمته، فيُلبسه لباس الجوع والخوف بما يصنع من معاصيه.
وكما قال الشاعر:
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذلّ إدمانها
وقال الآخر:
إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا **** فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحَــامِ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الْإِلَــــهِ **** فَإِنَّ الْإِلَــــهَ سَرِيعُ النِّقَمْ
هنا
منقول